وفي يوم الثلاثاء حادي عشر رجب، انثنى عزم الباشا عن المجيء إلى ناحية البقاع، ونزل من على القنيطرة وداريا، بعد أن كانوا أرسلوا أوراقاً لضياع البقاع من أجل الذخيرة، من كل ضيعة عشرة رؤوس من الغنم، وثلاثين غرارة من الشعير، وعشرين قنطاراً من الرز، وعشرة من السمن، وعشرة من العسل، وثلاثين رطلاً من الخبز، فبطل الكل والحمد لله وكان مؤرخ هذا الكتاب في تلك الناحية في مصالحه.
وفي يوم السادس عشر ونحن هناك، وصل قاضي الشام من ناحية البقاع، ونزل عند نهر اللاطاني شمالي قرية بر الياس، وقدموا له بعض تقادم، ونائبها صاحبنا الأعز خليل جلبي البهنسي، فحادثته، ومع القاضي محمد آغا البكري، وكان بالروم معه آلاي بيك الشام، ورحل آخر الليل، وربما يبات في الديماس، والثلاثاء يبات بدمر، أو لا يبات، وينزل بعد العشاء على ضوء المشاعل، كما فعل قرا مراد أفندي، وعارف أفندي بن إسرائيل، واسمه هذا مصطفى أفندي حجي زاده.
شعبان وفي أوله، توفي الخواجا الشيخ عبد الوهاب بن الشيخ العلامة أبو السعود ابن تاج الدين القباني. أخذ الطريقة الخلوتية في ابتدائه عن الوالد عيسى الخلوتي، ولازمه، وكان تردد على الشيخ عبد الغني، وتمرض مدة ثمانية أشهر، وتوفي في أول شعبان، وصلي عليه بالجامع، ودفن بالدحداح عند والده، عن غير ولد، وخلف نحو الأربعين كيساً.
وفيه سمع أن العرب طموا أبيار الحج وسدوا البغاظات، والله أعلم بحقيقة الحال.
وفيه أرسل الباشا يحث الحج الجلبي على المجيء في رمضان، ومعتاده أن يدخل الشام في اثنين وعشرين من شوال، فيكون الباشا غير حساب الحلبي، لأنه قيل يطلع يوم ثامن شوال.
وفيه وصى بإبطال دورة المحمل التي كانت تحصل في ثامن يوم من شوال إعلاماً بالحج، وتحريكاً للاشتياق وإرهاباً للعدا، لأنها كانت بصورة رتبها القدماء، أن يوم الدورة يلبس المحمل واللواء، الذي هو الصنجق، في دار العدل غلبا، ثم توردوا الينكجرية والزعماء ودولة القلعة والأعيان والكتاب وأرباب الأقلام وجميع عسكر الباشا، الخيالة والأزلام، فيركب الأمير أو نائبه، قدام المحمل، وكلهم مغرقون بالسلاح، والجربجية والإيباشية بالريش، ويمشوا على حسب المراتب بموكب حافل، وأول الدورة ومبدأ الموكب من باب السرايا إلى السنانية إلى مرقص السودان، على الشاغور، ويمروا على باب شرقي على الشيخ رسلان على برج الروس على السادات، ثم على محلة العمارة ثم على سوق الأبارين ثم على السروجية ثم على الحدر ثم سيدي خليل إلى الاسطبل بعد السرايا، وتجتمع الأمم كلها في أرض السرايا.
فأول من كان يخرج في أول الموكب من السرايا عكامة الحج أجواقاً أجواقاً معهم العصي بالعمليات، وقدامهم المقدمون في كل جوقة، وهم آغوات كثيرة، وخلفهم الجمال ملبسةً بالجوخ والمخمل والطرز وعليهم زين الحرير، مصفوفة عليهم الأواعي المذهبة والصيني، في شيء مفضض على ظهر الجمل والمحارم الكبيرة، وبقية الجمال هكذا، ويخرجون التخوت وفيهم الأولاد الصغار يتفرجون منها.
ثم بعد انتهاء هؤلاء، تبدو بيارق الطرق، بيارق كثيرة، ثم عسكر الباشا الخيالة والأزلام، ثم دولة الشام، فأولهم الزعماء وآلاي بيك، ثم آغة الينكجرية وجماعته مقنعين بالزرود والدروع والأطبار، ثم جربجية النقر بالريش العظيم، يكون ملبوساً تلبسه أعيان الإيباشية الثمانية وأدركت ثمانية عشر ريشة، وغيري أدرك أربعين، وقبله أدرك ستين ثم الكتاب ثم آغة القلعة بعمامة كبيرة، ثم الدفتدار أيضاً بعمامة كبيرة، ثم كاتب الينكجرية بعمامة، ثم قاضي المحمل وهو قاضي الحج، يتولونها من الروم، ولا تعلق بها لقاضي مكة والمدينة بالقضاء بالحج، ثم أمير الحج ثم المحمل، واللواء والجاويشية حوله، والقبيقول والأزلام، وآغة القول قدام المحمل، وهذا الريش لا يلبسه إلا الجربجي صاحب النقر، ومن فعل من غير نقر أو لبس، أدبوه ومنعوه في وجاقهم، والحاصل يكون يوماً مشهوداً.
ثم تعمل الضيافة العظيمة في إيوان السرايا حالاً، يشتمل على ألف صحن توضع جملةً، وأظنه من عمل نور الدين الشهيد.