وقمت معه في ذلك، ثم ذهبنا نحن وإياه لنجمعه في المحب صادق آغا ابن الناشف، وكان إذ ذاك متولي الجوالي، وكان مراده التوجه إلى ترابلس لأجل أموال النصارى، حتى يرافقه، فجمعناه به وعرفناه به، فوعده بوقت الذهاب حتى يهيئ حاجته.
ثم خرجنا من عنده إلى عند شيخنا المدقق العلامة ملا عبد الرحيم الكابلي، نزيل دمشق سنة 1109، أبقاه الله تعالى، وتذاكرنا في بحث الأطناب اللفظي والمعنوي، وهو في قوله تعالى: " فويلٌ للذين يكتبون الكتاب بأيديهم " لاحتمال معاني كثيرة، منه كتابة الحق والباطل والعقود الفاسدة، مثاله قول الأبوصيري:
كلٌّ أمر ناب النّبيّين فالش ... دّة محمودة فيه والرخاء
لو يمسّ النضار هون من النّا ... ر، لما اختير للنضار الصّلاء
كذا مثله لي فيه، الشيخ عبد الله المقدسي الحنبلي.
ونقلت لملا عبارة ابن كمال باشا في المعنوي، وذكر أنه في قوله تعالى: " ولا تخطُّه بيمينك ". إلى غير ذلك.
قرأت على المولى المزبور سابقاً مبادئ شرح إيساغوجي للفنري، ثم في شرح الشمسية مع حاشيتها للسيد الشريف، وحصة من أواسط المجتبى بقراءة أوايله، على العلامة الشمس بن الطويل الشافعي وحضرت دروس القاضي البيضاوي بقراءة بعض أصحابنا الأفاضل على الملا المذكور، مع الحواشي وغير ذلك، نفع الله به، آمين.
وفيه شرع في التوجه مع الجردة والسفر لملاقات الحج حيث أمكن، وكان الباشا المذكور ورد لكفالة دمشق في يوم السبت عشيةً بالمنزل في آخر ذي الحجة، وهو قريب العهد بخروج لحيته، وهو مأمور بالخروج مع الجردة، مع باشة عجلون ابن القواس لملاقات الحج الشريف، مع أميره محمد أفندي، من أعيان الكتاب بالروم. والحاصل: المتعين للجردة باشتها ابن القواس، وإبراهيم آغا، ابن أخي أصلان باشا ابن أمير الحج سابقاً قبلان باشا، أخي أصلان المذكور، كل ذلك للإعانة على العرب الجلالية الذين أخذوا القطرانة، وقتلوا بعض ينكجرية بها في السنة السابقة، وعملوا متاريس في الحسا على الماء، ويسمى بالتركي: تابوت قرصي، أي تابوت الماء الأسود، لأن الوادي كهيئة التابوت، أحد طرفيه ضيق، والآخر واسع، والله يصلح الأحوال.
وفيه في محرم السادس فيه، وهو يوم السبت، صار نفير عام على الزعماء والينكجرية، للسفر لملاقات الحج الشريف إلى حيث أمكن، خوفاً عليه من العرب، لأنه في سنة عشرة وماية وألف، أخذت العرب الجلالية الجردة كلها، وقتلوا باشتها محمد آغا بن صدي، من أهالي دمشق، وغنمت لشيء كثير.
وفي يوم الاثنين الثامن، شارع بدمشق أن بعلبك وجهت لشيخ الإسلام فيض الله أفندي، وأرسل لها وكيلاً، مفتي محروسة طوس، محمد أفندي الطوسي، ومعه جماعة من جماعة شيخ الإسلام المذكور.
وفيه بلغنا من الشيخ أحمد بن السبحان، أن أهالي بعلبك اشتكوا على المباشر لوكيل شيخ الإسلام، فأمروه بإحضار المال، وكان بعد لم يسافر إلى ترابلس، فقال لهم: في غد، وقدره سبعماية غرش ثم أصبحوا لم يعلموا له خبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله. وهذه المنزلة، كرامة للشيخ أحمد السبحان، والبغي مصرع مبتغيه وخيم.
وفي يوم الأربعاء العاشر في محرم سافر جميع الزعماء والينكجرية ولم يتخلف أحد.
يوم الخميس الحادي عشر، سافر الشيخ أحمد المزبور إلى ترابلس، مع آغة الجوالي المتقدم ذكره، لطلب الدراهم التي أُخذت ظلماً، وأخذ الشيخ أحمد معه مكاتيب من أكابر دمشق، من الملا مراد، ومن سعيد أفندي البكري وقاضي الشام، وغيرهم من المشاهير.
وفي يوم الأربعاء السابع عشر، اجتمعت بالفقيه الشيخ منصور الحبال، الفقيه الأديب الناظم، مقابل قناة يخرج منها الماء من أنبوبة من النحاس الأصفر، والماء كالفضة المسبوكة، فقلت له: انظم في ذلك شيئاً، فلم يحضره، فقلت من بحر الرجز:
أُنبوبةٌ تحسبها ... من فوق ماءٍ مطلق
سبيكةً من فضّةٍ ... لكنّها الحرّ تقي