الإسلاميين أرق من أشعار الجاهليين وأشعار الْمُحدثين ألطف من أشعار الْمُتَقَدِّمين وأشعار المولدين أبدع من أشعار الْمُحدثين وَكَانَت أشعار العصريين أجمع لنوادر المحاسن وأنظم للطائف الْبَدَائِع من أشعار سَائِر الْمَذْكُورين لانتهائها إِلَى أبعد غايات الْحسن وبلوغها أقْصَى نهايات الْجَوْدَة والظرف تكَاد تخرج من بَاب الْإِعْجَاب إِلَى الإعجاز وَمن حد الشّعْر إِلَى السحر فَكَأَن الزَّمَان ادخر لنا من نتائج خواطرهم وثمرات قرائحهم وأبكار أفكارهم أتم الْأَلْفَاظ والمعاني اسْتِيفَاء لأقسام البراعة وأوفرها نَصِيبا من كَمَال الصَّنْعَة ورونق الطلاوة
(وكذاك قد سَاد النَّبِي مُحَمَّد ... كل الْأَنَام وَكَانَ آخر مُرْسل)
وَقد سبق مؤلفو الْكتب إِلَى تَرْتِيب الْمُتَقَدِّمين من الشُّعَرَاء وَذكر طبقاتهم ودرجاتهم وَتَدْوِين كلماتهم والانتخاب من قصائدهم ومقطوعاتهم فكم من كتاب فاخر عملوه وَعقد باهر نظموه لَا يشينه الْآن إِلَّا نبو الْعين من إخلاق جدته وبلى بردته وَمَج السّمع لمردداته وملالة الْقلب من مكرراته
وَبقيت محَاسِن أهل الْعَصْر الَّتِي مَعهَا رواء الحداثة وَلَذَّة الْجدّة وحلاوة قرب الْعَهْد وازدياد الْجَوْدَة على كَثْرَة النَّقْد غير محصورة بِكِتَاب يضم نشرها وينظم شذرها ويشد أزرها وَلَا مَجْمُوعَة فِي مُصَنف يُقيد شواردها ويخلد فوائدها وَقد كنت تصديت لعمل ذَلِك فِي سنة أَربع وَثَمَانِينَ وثلثمائة والعمر فِي إقباله والشباب بمائه فافتتحته باسم بعض الوزراء مجريا إِيَّاه مجْرى مَا يتَقرَّب بِهِ أهل الْأَدَب إِلَى ذَوي الأخطار والرتب وَمُقِيمًا ثمار الْوَرق مقَام نثار الْوَرق وكتبته فِي مُدَّة تقصر عَن إِعْطَاء الْكتاب حَقه وَلَا تتسع لتوفية شَرطه