فكان كما قال، فإن القدس فتحت لثلاث بقين من رجب سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة، وقيل لمحيي الدين: من أين لك هذا فقال: أخذته من تفسير ابن برجان في قوله تعالى: (ألم غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين) . ولما وقفت أنا على هذا البيت وهذه الحكاية لم أزل أتطلب تفسير ابن برجان حتى وجدته على هذه الصورة، لكن كان هذا الفصل مكتوبا في الحاشية بخط غير الأصل (?) ، ولا أدري هل كان من أصل الكتاب أم هو ملحق به (?) ، وذكر له حسابا طويلا وطريقا في استخراج ذلك حتى حرره من قوله بضع سنين.
ولما ملك السلطان صلاح الدين حلب، فوض الحكم والقضاء بها [في ثالث عشر ربيع الآخر من السنة] (?) إلى القاضي محيي الدين المذكور، فاستناب بها زين الدين بنا أبا الفضل بن البانياسي (?) .
ولما فتح السلطان القدس الشريف تطاول إلى الخطابة يوم الجمعة كل واحد من العلماء الذين كانوا في خدمته حاضرين، وجهز كل واحد منهم خطبة بليغة، طمعا في أن يكون هو الذي يعين لذلك، فخرج المرسوم إلى القاضي محيي الدين ان يخطب هو، وحضر السلطان وأعيان دولته، وذلك في أول جمعة صليت بالقدس بعد الفتح، فلما رقي المنبر استفتح بسورة الفاتحة، وقرأها إلى آخرها، ثم قال: (فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين) ، ثم قرأ أول سورة الأنعام: (الحمد لله الذي خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور) ، ثم قرأ من سورة سبحان: (وقل الحمد لله