بأن زيارته صلّى الله عليه وسلّم من أعظم القربات، وتوقف في ذلك الإمام من جهة أنها لا تتعلق بالمسجد وتعظيمه، قال: وقياسه أنه لو تصدق في المسجد أو صام يوما كفاه، وفيه نظر، على أن الصحيح ما نص عليه في المختصر من عدم لزوم الإتيان، وإن كان اللزوم أرجح دليلا، ورجح الرافعي تفريعا على اللزوم ضم صلاة أو اعتكاف، وكذا إذا نذر إتيان الأقصى، فإن نفس المرور لما لم يكن في نفسه مزية انصرف النذر إلى ما يقصد فيه من القرب وبهذا يترجح ما قاله الشيخ أبو علي، لأن إتيان مسجد المدينة يقصد للصلاة والاعتكاف والزيارة بخلاف غيره.
ومن نذر أن يمشي إلى بيت المقدس كان بالخيار: إن شاء مشى إلى المسجد الأقصى، وإن شاء مشى إلى المسجد الحرام؛ لحديث أن رجلا قال للنبي صلّى الله عليه وسلّم: إني نذرت إن فتح الله عليك مكة أن أصلي في مسجد بيت المقدس، قال صلى الله عليه وسلم: «صلّ هنا، ثلاثا» انتهى. ويعلم مما تقرر في إجزاء مسجد المدينة عن الأقصى في الإتيان والصلاة إجزاؤه هنا كالمسجد الحرام، والذي اقتضاه كلام البغوي تصحيح عدم لزوم المشي في مسجد المدينة والأقصى، وهو الذي رجحوه.
وهذا أبلغ في الزجر من الجزاء.
لأنها للإنذار، فاختصت ببلد النذير، ثم لما بلغت الحرم وكان محرّمه المبعوث بالرحمة خمدت وطفئت، على ما سيأتي.
ورؤيا الأنبياء حق، عليهم الصلاة والسلام!
فقد اشتملت المدينة على شيء من أرض الجنة ومياهها وثمارها، والله أعلم.