قلت: ومن الغريب قول ابن جماعة في مناسكه الكبرى في باب الفضائل «فضل بئر أريس: قد صحّ أن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم تفل فيها، وأنه سقط فيها خاتمه» انتهى.

وخرج البيهقي من حديث إبراهيم بن طهمان عن يحيى بن سعيد أنه حدثه أن أنس بن مالك رضي الله عنه أتاهم بقباء يسأله عن بئر هناك، فدللته عليه، فقال: لقد كانت هذه وإنّ الرجل لينضح على حماره فتنزح فيستخرجها له، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر بذنوب فسقي، فإما أن يكون توضأ منه أو تفل فيه، ثم أمر به فأعيد في البئر، فما نزحت بعد، فرأيته صلى الله عليه وسلم بال ثم جاء فتوضأ ومسح على خفّيه ثم صلّى، لكن سيأتي في بئر غرس ما يبين أنها المرادة بذلك، ولم يعد ابن شبة ولا ابن زبالة بئر أريس في الآبار التي كان استقى منها للنبي صلى الله عليه وسلم، وإنما ذكرها ابن شبة في صدقة عثمان، وذكر سقوط الخاتم فيها مع ما تقدم.

وهذه البئر المعروفة اليوم بقباء من أعذب آبار المدينة.

ذرع بئر أريس

وذكر ابن النجار أنه ذرع طولها فكان أربعة عشر ذراعا وشبرا، منها ذراعان ونصف ماء، وعرضها خمسة أذرع، قال: وطول قفها الذي جلس عليه النبي صلى الله عليه وسلم وصاحباه ثلاثة أذرع تشف كفا، قال: وهي تحت أطم عال، خراب من جهة القبلة، وقد بنى في أعلاه مسكن.

قال المطري، عقب ذكره أن ذلك المسكن يسكنه من يقوم بالحديقة ويخدم مسجد قباء.

قلت: وهو اليوم بيد المتكلم على الحديقة صاحبنا الشيخ برهان الدين القطان، ووقع بينه وبين صاحبنا الفخر العيني مشاجرة بسببه وسبب البئر؛ لأن الفخر بيده قطعة تحت الحصن المذكور وقطعة أخرى في مقابلة المسجد أنشأها بعض أقاربه هناك، ثم اصطلحا على السّقى بالبئر المذكورة واستمرار الحصن بيد البرهان، ثم رفعوا قف البئر عما أدركناه عليه نحو ثلاثة أذرع، وذلك لما بنى متولي العمارة السبيل والبركة المقابلين لمسجد قباء المتقدم ذكرهما فيه، وذلك ليتأتى وصول الماء إلى البركة، وصار طول هذه البئر اليوم على ما ذرعته تسع عشرة ذراعا ونصف ذراع، منها أربعة أذرع ماء، وذلك بعد تبحيرها.

ولهذه البئر درجة ذكرها المطري، فقال: وقد حدّد الشيخ صفي الدين أبو بكر بن أحمد السلامي لهذه البئر درجا ينزل إليها منه من يريد الوضوء والشرب من الزوار سنة أربع عشرة وسبعمائة، انتهى. وهو مخالف لقول البدر ابن فرحون في ترجمة نجم الدين يوسف الرومي وزير الأمير طفيل: إنه هو الذي أنشأ الدرجة الموجودة اليوم لبئر أريس بقباء عمرها في سنة أربع عشرة وسبعمائة، قال: وكان الجماعة الحزازون قد ابتدؤوا في عمارتها فسألهم أن يتركوا ذلك له ليفوز بحسنتها، وكان الحامل لهم على ذلك أنهم كانوا إذا جاؤوا إلى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015