قال الشرقي: لما قدمت الأوس والخزرج المدينة تفرقوا في عاليتها وسافلتها، ومنهم من نزل مع قوم من بني إسرائيل في قراهم، ومنهم من نزل وحده لا مع بني إسرائيل ولا مع العرب الذين كانوا قد تألفوا إلى بني إسرائيل، وكانت الثروة في بني إسرائيل، كانوا نيفا على عشرين قبيلة، ولهم قرى أعدّوا بها الآطام، فنزلت الأوس والخزرج بينهم وحواليهم.
وقال ابن زبالة عن مشيخة من أهل المدينة قالوا: أقامت الأوس والخزرج بالمدينة، ووجدوا الأموال والآطام والنخيل في أيدي اليهود، ووجدوا العدد والقوة معهم، فمكثت الأوس والخزرج ما شاء الله، ثم إنهم سألوهم أن يعقدوا بينهم جوارا وحلفا يأمن به بعضهم من بعض، ويمتنعون به ممن سواهم، فتعاقدوا وتحالفوا واشتركوا وتعاملوا، فلم يزالوا على ذلك زمانا طويلا، وأمرت (?) الأوس والخزرج وصار لهم مال وعدد، فلما رأت قريظة والنضير حالهم خافوهم أن يغلبوهم على دورهم وأموالهم، فتنمروا لهم حتى قطعوا الحلف الذي كان بينهم، وكانت قريظة والنضير أعدّ وأكثر، وكان يقال لهما الكاهنان، وبنو الصريح، وفي ذلك يقول قيس بن الخطيم مثنيا عليهم:
كنا إذا رامنا قوم بمظلمة ... شدت لنا الكاهنان الخيل واعتزموا
نسوا الرهون وآسونا بأنفسهم ... بنو الصّريح فقد عفّوا وقد كرموا
فأقامت الأوس والخزرج في منازلهم خائفين أن تجليهم يهود، حتى نجم (?) منهم مالك بن العجلان أخو بني سالم بن عوف بن الخزرج وسوّده (?) الحيان الأوس والخزرج، وكان الفطيون- أي بالفاء المكسورة، وقال ياقوت: الفيطوان- ملك اليهود بزهرة، وكانت لا تهدى عروس بيثرب من الحيين الأوس والخزرج حتى تدخل عليه فيكون هو الذي يفتضها قبل زوجها، فتزوجت أخت مالك بن العجلان رجلا من قومها، فبينا مالك في