العرم؛ فلا تمر بشيء إلا أحرقته، حتى تنتهي إلى البحر فتركب ثبجه (?) طائرة على صفحته حتى تغوص فيه.
قلت: وأقرب من ذلك في مناسبة هذه النار ما ذكره ابن شبة في أخبار المدينة- عند ذكر خالد بن سنان العبسي الذي قال النبي صلّى الله عليه وسلّم لما جاءته بنته «هذه ابنة نبي ضيعه قومه» - فروى ابن شبة في خبره من طرق ما ملخصه أنه كان بأرض الحجاز نار يقال لها نار الحدثان (حرة بأرض بني عبس) تعشى الإبل (?) بضوئها من مسيرة ثماني ليال، وربما خرج منها العنق فذهب في الأرض فلا يبقي شيئا إلا أكله، ثم يرجع حتى يعود إلى مكانه، وإن الله تعالى أرسل إليها خالد بن سنان، فقال لقومه: يا قوم، إن الله أمرني أن أطفئ هذه النار التي قد أضرت بكم فليقم معي من كل بطن رجل، فخرج بهم حتى انتهى إلى النار فخط عليهم خطا ثم قال: إياكم أن يخرج أحد منكم من هذا الخط فيحترق، ولا ينوهن باسمي فأهلك، وجعل يضرب النار ويقول: بدا بدا (?) كل هدي لله مودا، حتى عادت من حيث جاءت، وخرج يتبعها حتى ألجأها في بئر في وسط الحرة منها تخرج النار، فانحدر فيها خالد. وفي درة الغواص: فإذا هو بكلاب تحتها فرضهن بالحجارة، وضرب النار حتى أطفأها الله على يده، ومعهم ابن عم له، فجعل يقول: هلك خالد، فخرج وعليه بردان ينطفان (?) من العرق وهو يقول: كذب ابن رايعة المعزى لآخرجنّ منها وثيابي تندى، فسموا بني ذلك الرجل «بني راعية المعزى» إلى اليوم، وفي رواية أن قومه سالت عليهم نار من حرة النار في ناحية خبير، والناس في وسطها، وهي تأتي من ناحيتين جميعا، فخافها الناس خوفا شديدا. وفي رواية: وهي تخرج من شق جبل من حرة يقال لها حرة أشجع، فقال لهم خالد بن سنان: ابعثوا معي إنسانا حتى أطفئها من أصلها، فخرج معه راعي غنم، وهو ابن راعية، حتى جاء غارا تخرج منه النار. وفي رواية: أنها كانت تخرج من بئر، ثم قال خالد للراعي: أمسك ثوبي، ثم دخل في الغار، وفي رواية:
أنه انطلق في ناس من قومه حتى أتوها، وقال لهم: إن أبطأت عنكم فلا تدعوني باسمي، فخرجت كأنها خيل شقر يتبع بعضها بعضا، فاستقبلها خالد فجعل يضربها بعصاه ويقول:
هديا هديا، كل نهب مودى، زعم ابن راعية المعزى، أني لا أخرج منها وثيابي تندى،