برجال الصحيح عن يعلى بن مرة من حديث قال فيه: ثم سرنا فنزلنا منزلا، فنام النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، فجاءت شجرة تشق الأرض حتى غشيته ثم رجعت إلى مكانها، فلما استيقظ ذكرت له، فقال: هي شجرة استأذنت ربها عز وجل أن تسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأذن لها. فإذا كان هذا حال شجرة فكيف بالمؤمن المأمور بتعظيم هذا النبي الكريم صلى الله تعالى عليه وسلم الممتلئ بالشوق إليه؟ وحديث حنين الجذع تقدم ذكره في محله. وقال القاضي ابن كج من أصحابنا: إذا نذر أن يزور قبر النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فعندي يلزمه الوفاء وجها واحدا، وإذا نذر أن يزور قبر غيره ففيه وجهان. قال السبكي: لم ير لغيره من أصحابنا خلافه، والقطع بذلك هو الحق؛ للأدلة الخاصة في ذلك، ومن يشترط في النذر أن يكون مما وجب جنسه بالشرع ويقول «إن الاعتكاف كذلك؛ لوجوب الوقوف» فقد يقول: إن زيارة رسول الله صلى الله عليه وسلم وجب جنسها وهي الهجرة إليه في حياته.

ووجه الخلاف في قبر غيره تشبيهه بزيارة القادمين وإفساد السلام ونحو ذلك مما لم يوضع قربة مقصودة وإن كان قربة من حيث ترغيب الشرع فيه لعموم فائدته، وعلى هذا يكون الأصح لزومه بالنذر كما في تلك المسائل.

وقال العبدي من المالكية في شرح الرسالة: وأما النذر للمشي إلى المسجد لحرام والمشي إلى مكة فله أصل في الشرع وهو الحج والعمرة، والمشي إلى المدينة لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم أفضل من الكعبة ومن بيت المقدس، وليس عنده حج ولا عمرة، فإذا نذر المشي إلى هذه الثلاثة لزمه، فالكعبة متفق عليها، ويختلف أصحابنا وغيرهم في المسجدين الآخرين، قال السبكي: والخلاف الذي أشار إليه في نذر إتيان المسجدين الآخرين لا في الزيارة.

وفي كتاب تهذيب الطالب لعبد الحق: رأيت في بعض المسائل التي سئل عنها الشيخ أبو محمد بن أبي زيد، قيل له في رجل استؤجر بمال ليحج به وشرطوا عليه الزيارة، فلم يستطع تلك السنة أن يزور لعذر منعه من ذلك. قال: يردّ من الأجرة بقدر مسافة الزيارة، قال الحاكي لذلك عنه: وقال غيره من شيوخنا: عليه أن يرجع ثانية حتى يزور، وقال ابن عبد الحق: انظر، إن استؤجر للحج لسنة بعينها فهاهنا يسقط من الأجرة ما يخص الزيارة، وإن استؤجر على حجة مضمونة في ذمته فهاهنا يرجع ويزور، وقد اتفق النقلان، قال السبكي: وهذا فرع حسن، والذي ذكره أصحابنا أن الاستئجار على الزيارة لا يصح؛ لأنه عمل غير مضبوط ولا مقدر بشرع، والجعالة إن وقعت على نفس الوقوف لم يصح أيضا؛

طور بواسطة نورين ميديا © 2015