وبعد: فهذا هو موقف يهود من رسل الله وأنبائه صلوات الله وسلامه عليهم؛ إيمان ببعض وكفر ببعض، وتنقص منهم، وإيذاء، وسب، وشتم، وقذف بارتكاب جرائم السكر والعربدة، والزنا والقتل، ثم تشريد ومطاردة وقتل لبعضهم.
وهي مواقف تدل على مبلغ تفريط القوم في حق أنبياء الله ورسله، وعظم تقصيرهم وشدة جفائهم وعداوتهم لهم، وهذا هو الطابع الذي غلب عليهم في هذا الباب1، على أنهم ربما غلوا وأفرطوا في حق بعض أنبيائهم، وأنزلوهم فوق مكانة النوبة والرسال، كما وقع منهم في حق العزيز عليه السلام؛ إذ قالوا إنه ابن الله كما ذكر الله عز وجل ذلك في قوله: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} 2.
ومن مظاهر غلوهم اتخاذهم قبور أنبيائهم مساجد، كما أخبر المصطفى صلى الله عليه وسلم بذلك ولعنهم لأجله؛ فقال: "لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" 3. وفي حديث آخر قال: "قاتل الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" 4.
فالقوم كان لديهم غلو في بعض أنبيائهم؛ لكن لما كان الغالب عليهم الجفاء والتفريط في هذا الجانب ظن بعض الناس أنه لم يقع منهم غلو، لكثرة ما ورد في القرآن من نسبة قتل الأنبياء وتكذيبهم إليهم، بل ربما لهوى في نفوس البعض، حاول التشكيك في الأحاديث التي أشرنا إليها وأوهم أنها تعارض ما جاء في القرآن من ذكر جفائهم للأنبياء5، وغفل أو تغافل عن القرآن الكريم كما جاء فيه نسبة التفريط إليهم، جاء فيه أيضًا نسبة الإفراط والغلو إليهم كما تقدم في شأن العزير عليه السلام.