يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (?)، وروى البخاريُّ في صحيحه عن أبي هُرَيْرَة قال: «قالت الأنصار: اقسمْ بيننا وبين إخواننا النخيلَ؟ قال: لا؛ قالوا: أفتكفوننا المؤونة ونشرككم في الثمرة؟ قالوا: سمعنا وأطعنا» (?)، وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: «قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - للأنصار: إن إخوانكم قد تركوا الأموال والأولاد وخرجوا إليكم، فقالوا: أموالنا بيننا قطائع، قال رسول الله: أوَغير ذلك؟ قالوا: وما ذاك يا رسول الله؟ قال: هم قوم لا يعرفون العلم، فتكفونهم وتقاسمونهم التمر، قالوا: نعم» (?).
وذكر ابن عبد البَرِّ في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ} (?) أنَّ بدرًا قطعت المواخاة بين الصحابة رضي الله عنهم، فتكون هذه الآية ناسخة آية (بعضهم أولياء بعض)، وتكون تلك حينئذٍ مُبينة أمر ما كان قبل غزوة بدر (?)، وكما هو معلومٌ أن نموذج المواخاة نموذجٌ اقتصاديٌّ لغرض إعادة توزيع الثروة، وأغراض التكافل الاجتماعي، اقتضتْه مرحلة ما بعد الهجرة، فكان الأنصاري يقسم شطر ماله لأخيه من المهاجرين، ويتضح بذلك أن هذا النموذج كان فعَّالاً في القضاء على الفقر في تلك المرحلة.
الزَّكاة في اللُّغة: الزيادة والنَّماء، فكلُّ شيء زاد عددًا، أو نما حجمًا؛ فإنه يقال: زكا، فيقال: زكا الزرع: إذا نما وطال، وأما في الشرع: فهي التعبُّد لله تعالى، بإخراج قدر واجبٍ شرعًا