والحديث، واللغة، والأدب، أو علمًا دنيويًّا نافعًا؛ كالطبِّ لِمَنْ كان مِن أهله، ونحو ذلك، وكذا آلاتُ الحِرْفة، وأدوات الصنعة، التي يحتاج إلى استعمالها في صَنْعتِه، كما لا يخرجه عن الفقر والمسكنة مالُه الذي لا يَقْدِر على الانتفاع به، كأن يكونَ في بلدٍ بعيدٍ، لا يتمكَّن مِن الحصول عليه. أو يكون حاضرًا ولكن حِيلَ بينه وبينه، كالذي تَحْجزه الحكوماتُ المُسْتَبِدَّةُ، أو تَضَعُه تحت الحراسة، وما شابه ذلك. ومثل ذلك دُيُونُه المُؤَجَّلة، لأنه الآن مُعْسرٌ، إلى أن يحلَّ الأَجَلُ (?).

المَطْلَب الثاني: أسباب الفقر في العَهْد النبَوي

إنَّ القارئ لكُتُب السِّيرة يعلم أنَّ الأنصارَ قدَّموا كلَّ ما يستطيعون لإخوانهم المهاجرين ومن ذلك مؤاخاتهم لهم في الأهل والمال، ولقد استمرَّ عطاؤعم طيلةَ حياة النبي - صلى الله عليه وسلم -، حتى جاء الخيرُ وعَمَّ في أواخرها، وشهد الله سبحانه بكرمهم وإيثارهم قال تعالى: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (?).

ولقد أسهم القادرون من المهاجرين- مِن أمثال: أبي بكرٍ وعُمَر وعثمان وعبدالرحمن بن عوف- وبَذَلُوا، وقدَّموا الشيءَ الكثيرَ، مما هو مذْكورٌ في كُتُب السيرة، بل قد أسهم كلُّ قادرٍ حتى ولو كان الشيء الذي يُقَدِّمُه قليلاً؛ فكان النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عندما يَحُضُّ على الصدقة- كما يقول ابنُ مسعود-: ((ينطلق أحدُنا إلى السُّوق، فيحامل فيُصيب المدَّ ...)) (?)، ثم يأتي ليتبَرَّع به (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015