وهذا الأبله الذي أمامنا ليس وطنيا ولا فيه ذرة من الوطنية؛ فإن كان وطنيا أو زعم أنه وطني، فليخرج القرش الذي في جيبه ... ليكون فألا حسنا لخروج جيش الاحتلال من مصر ...
ولكن المجنون لم يخرج القرش وترك جيش الاحتلال في مكانه.
فقال "النابغة": الرواية الآن رواية الشرطي واللص. وبحق من القانون يكون للشرطي أن يفتش هذا اللص ليخرج القرش من جيبه ...
غير أن المجنون امتنع. فقال "النابغة": كل ذلك لا يجدي مع هذا الخبيث، فالرواية الآن رواية هارون الرشيد مع البرامكة، ويجب أن ينكب الرشيد هؤلاء البرامكة ليستصفي القرش.
بيد أننا منعناه أن ينكب "البرامكة" فقال: الرواية الآن رواية العاشق والمعشوقة، ونظر طويلا في المجنون وصعد فيه عينه وصوب فلم ير إلا ما يذكر بأنه رجل، فتهدى إلى رأي عجيب. فوقع على قدميه وتوهمه امرأة في حذائها ... وجعل يناجي الحذاء بهذه المناجاة:
إن سخافات الحب هي أقوى الدليل عند أهله على أن الحب غير سخيف؛ فكل فكرة في الحب مهما كانت سخيفة، عليها جلال الحب؛ وللحذاء في قدميك يا حبيبتي جمال الصندوق المملوء ذهبا في نظر البخيل، وكل شيء منك أنت فيه سر جمالك أنت. والحذاء في قدميك ليس حذاء، ولكنه بعض حدود جسمك الجميل، فلا أكون كل العاشق حتى أحيط بكل حدودك إلى الحذاء.
إن جسمك يا حبيبتي كالماء الجاري العذب؛ في كل موضع منه روح الماء كله؛ وحيثما وقعت القبلة من جسمك كان فيها روح شفتيك الورديتين، هذه قبلة على قدميك يا حبيبتي؛ وهذه قبلة على ساقك؛ وهذه قبلة على ثوبك، وهذه قبلة على جيبك ...
وكادت يد "النابغة" تخرج بالقرش، فعضه المجنون في كتفه عضة وحشية، فجأه الخوف منها فطار صوابه؛ فصرخ صرخة عظيمة دوى لها المكان وترددت كصرصرة البازي في الجو، ثم اعتراه الطيف، وأطبق عليه الجنون فاختلط وتخبط.
"والرواية الآن"؟ ... رواية عربة الإسعاف ...