م إن "نابغة القرن العشرين" استخفه الطرب لذكر صواحبه وجميلاته من فاطمة إلى رباب؛ ومن طبع المجنون أنه إذا كذب صدق نفسه، فإن قوة الضبط في عقله إما معدومة وإما مختلة؛ وكل وجه تخيل منه خيالا فهو وجه من وجوه العلم عنده، إذ كان عالمه أكثره في داخله لا في العالم، فإذا توهم أو أحس أو شعر، فإنما يكون ذلك بطريقته هو لا بطريقة الناس العقلاء؛ فليس يحتمل عقله إلا فكرة واحدة تمضي
منفردة بنفسها مستقلة بمعناها كأنها قدر غالب على جميع أفكاره الأخرى، فلا شأن لها بالواقع، ولا شأن للواقع بها، وإنما هي تحقق معناها كما تخطر له، لا كما تتمثل فيما حوله.
فبين كل مجنون وبين ما حوله دماغه المتدجي بالغيوم العقلية، لا تزال تعرض له الغيمة بعد الغيمة من اختلال بعض المراكز العصبية فيه، وفساد أعمالها بهذا الاختلال، وقيام الطبيعة فيها على هذا الفساد.
ومن ذلك تنقلب الكلمة من الكلام، وإنها لحادثة تامة في عقل المجنون كالقصة الواقعة لها زمان ومكان وبدء ونهاية، لا يخامره فيها الشك، ولا يعتريها التكذيب؛ وكيف وهي قائمة في ذهنه من وراء سمعه وبصره قيام الحقيقة في الأبصار والأسماع؟
ولحواس المجنون جهتان في العمل، لأنها بين كونين؛ أحدهما الكون الخرب الذي في دماغه؛ وفي هذا يقول "نابغة القرن العشرين": إن في داخل عينيه منظارًا يرى به الأشياء في غير حقائقها، أي في حقائقها ...
وحدثنا الدكتور محمد الرافعي قال: إن في دار المجانين بمدينة ليون بفرنسا نابغة كنابغة القرن العشرين، ذكرت أمامه قيصرة روسيا وخبر مقتلها، فأحفظه هذا وأرمضه وقال يا ويحهم! كذبوا عليها وعلي، فسأله الدكتور: وكيف ذلك؟
قال: كان من خبر القيصرة أنها رأتني فأحبتني، وعلمت من كل وجه يمكن