وحي القلم (صفحة 388)

الانتحار * "1"

حدث المسيب بن رافع الكوفي قال: بينا أنا يومًا في مسجد الكوفة، ومعي سعيد بن عثمان، ومجاهد، وداود الأزدي وجماعة, أقبل فتى فجلس قريبا منا، وكان تلقاء وجهي، لا أمد نظري إلى انطلق في سمته ووقف عليه، وكنا نتحدث فرأيته يتسمع إلى حديثنا؛ فلما تكلم سعيد -وكان خافت الصوت من علة به، وكنا نسميه النملة الصخابة- رأيت الفتى يتزحف قليلا قليلا حتى صار بحيث يقع في سماعه حسيس نملتنا.

وكان سعيد يقول: اجتزت أنا والشعبي1 أمس بعمران الخياط، فمازحه الشيخ فقال له: عندنا حب2 مكسور، تخيطه؟ قال: نعم، إن كان عندك خيط من ريح! فقلت أنا: فاذهب فجئنا بالمغزل الذي يغزل الهواء لنصنع لك الخيط.

قال مجاهد:" هذا ليس بشيء في تنادر شيخنا وما يتفق له؛ أخبرني أن رجلا جاءه في مسألة، فدخل عليه البيت وهو جالس مع امرأته، فقال الرجل: أيكما الشعبي؟ فأومأ الشيخ إلى امرأته وقال: هذه!

قال المسيب: وضحكنا جميعا، وأخذ نظري الغلام فإذا هو ناكس حزنا وهما، وكأنه لا يتسمع إليها ليسمع، بل ليشغل نفسه عن شيء فيها، فتتوزع خواطره، فيتبدد اجتماعها على همه بصوت من هنا وصوت من هنا، كما يفعل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015