[البقرة: 183] . وقد فهمها العلماء جميعا على أنها معنى "التقوى" أما أنا فأولتها من "الاتقاء"؛ فبالصوم يتقى المرء على نفسه أن يكون كالحيوان الذي شريعته معدته، وألا يعامل الدنيا إلا بمواد هذه الشريعة؛ ويتقي المجتمع على إنسانيته وطبيعته مثل ذلك، فلا يكون إنسان مع إنسان كحمار مع إنسان, يبيعه القوة كلها بالقليل من العلف.
وبالصوم يتقي هذا وهذا ما بين يديه وما خلفه، فإن ما بين يديه هو الحاضر من طباعه وأخلاقه، وما خلفه هو الجيل الذي سيرث من هذه الطباع والأخلاق، فيعمل بنفسه في الحاضر, ويعمل بالحاضر في الآتي1.
وكل ما شرحناه فهو اتقاء ضرر لجلب منفعة، واتقاء رذيلة لجلب فضيلة، وبهذا التأويل تتوجه الآية الكريمة جهة فلسفية عالية، لا يتأتى البيان ولا العلم ولا الفلسفة بأوجز ولا أكمل من لفظها؛ ويتوجه الصيام على أنه شريعة اجتماعية إنسانية عامة؛ يتقي بها الاجتماع شرور نفسه؛ ولن يتهذب العالم إلا إذا كان له مع القوانين النافذة هذا القانون العام الذي اسمه الصوم، ومعناه "قانون البطن".
ألا ما أعظمك يا شهر رمضان! لو عرفك العالم حق معرفتك لسماك: "مدرسة الثلاثين يومًا".