وحي القلم (صفحة 307)

أظرف، وكأنها ظبي يتلفت، وكأنها غصن يميل، وكأن سنة وجهها البدر! ".

قال: "وشُبِّهت له بكل أدوات التشبيه، وجاءوا في أوصافها بمذاهب الاستعارة والمجاز، فأخذها قصيدة قبل أن يأخذها امرأة، وكان لم ير منها شيئًا, وكانت لغة ذوي قرابته وقرابتها كلغة التجارة في ألسنة حُذَّاق السماسرة, ما بهم إلا تنفيق السلعة, ثم يُخلون بين المشتري وحظه".

قال: فرسخ كلامهم في قلبي, فعقدت عليها، ثم أعرست بها، ونظرت فإذا هي ليست في الكلمة الأولى ولا الأخيرة مما قالوا ولا فيما بينهما, ثم تعرفت فإذا هي تكبرني بخمس عشرة سنة. ورأيت اتضاع حالها عندي فأشفقت عليها، وبتُّ الليلة الأولى مقبلًا على نفسي أؤامرها وأناجيها، وأنظر في أي موضع رأي أنا؛ وتأملت القصة، فإذا امرأة بين رحمة الله ورحمتي، فقلت: إن أنا نزعت رحمتي عنها ليوشكن الله أن ينزع رحمته عني، وما بيني وبينه إلا أعمالي؛ وقلت: يا نفسي، {إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ} [لقمان: 16] . وإنما أتقدم إلى عفو الله بآثام وذنوب وغلطات, فلأجعل هذه المرأة حسنتي عنده، وما علي من عمر سيمضي وتبقى منه هذه الحسنة خالدة مخلدة.

إنها كانت حاجة النفس إلى المتاع فانقلبت حاجة إلى الثواب، وكانت شهوة فرجعت حكمة، وكنت أريد أن أبلغ ما أحب فسأبلغ ما يجب. ثم قلت: اللهم إن هذه امرأة تنتظرها ألسنة الناس إما بالخير إذا أمسكتها، وإما بالشر إذا طلقتها، وقد احتمت بي؛ اللهم سأكفيها كل هذا لوجهك الكريم!

قال: ورأيتُني أكون ألأم الناس لو أني كشفتها للناس وقلت: انظروا, فكأنما كنت أسأت إليها فأقبلت أترضَّاها، وجعلت أمازحها وألاينها في القول، وعدلت عن حظ نفسي إلى حظ نفسها1، واستظهرت بقوله تعالى: {فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} واعتقدت الآية الكريمة أصح اعتقاد وأتمه، وقلت: اللهم اجعلها من تفسيرها.

قال: فلم تمض أشهر حتى ظهر الحمل عليها، فألقى الله في نفسي من الفرح ما لا تعدله الدنيا بحذافيرها، وأحسست لها الحب الذي لا يقال فيه: جميل ولا قبيح؛ لأنه من ناحية النفس الجديدة التي في نفسها "الطفل". وجعلت أرى لها في

طور بواسطة نورين ميديا © 2015