وحي القلم (صفحة 303)

أحدهما في الداخل من عقله، والثاني في الخارج منه؛ فأصبح لا يبالي الإثم والبغض عند زوجته إذا هو أصاب الحظوة والسرور عند الأخرى؛ فتعدى طوره مع المرأتين جميعًا، وظلم الزوجة بأن استلب حقها فيه، وظلم الأخرى بأن زادها ذلك الحق فجعلها كالسارقة والمعتدية.

وقد تمنى أحد القراء من فلسطين1 أن يرزقه الله مثل هذه الزوجة المكروهة كراهة حب، ويضعه موضع صاحب المشكلة؛ ليثبت أنه رجل يحكم الكره ويصرفه على ما يشاء، ولا يرضى أن يحكمه الحب وإن كان هو الحب.

وهذا رأي حَصِيف جيد، فإن العاشق الذي يتلعب الحب به ويصده عن زوجته، لا يكون رجلًا صحيح الرجولة، بل هو أسخف الأمثلة في الأزواج، بل هو مجرم أخلاقي يَنْصِب لزوجته من نفسه مثال العاهر الفاسق؛ ليدفعها إلى الدعارة والفسق من حيث يدري أو لا يدري؛ بل هو غبي؛ إذ لا يعرف أن انفراد زوجته وتراجعها إلى نفسها الحزينة ينشئ في نفسها الحنين إلى رجل آخر؛ بل هو مغفل، إذ لا يدرك أن شريعة السن بالسن والعين بالعين، هي بنفسها عند المرأة شريعة الرجل بالرجل.

والمرأة التي تجد من زوجها الكراهية لا تعرفها أنها الكراهة إلا أولَ أولَ؛ ثم تنظر فإذا الكراهة هي احتقارها وإهانتها في أخص خصائصها النسوية، ثم تنظر فإذا هي إثارة كبريائها وتحدِّيها، ثم تنظر فإذا هي دَفْع غريزتها أن تعمل على إثبات أنها جديرة بالحب، وأنها قادرة على النقمة والمجازاة؛ ثم تنظر فإذا برهان كل ذلك لا يجيء من عقل ولا منطق ولا فضيلة، وإنما يأتي من رجل ... رجل يحقق لها هي أن زوجها مغفل, وأنها جديرة بالحب.

وكأن هذا المعنى هو الذي أشارت إليه الأديبة "ف. ز" وإن كانت لم تبسطه، فقد قالت: "إن صاحب هذه المشكلة غبي، ولا يكون إلا رجلًا مريض النفس مريض الخُلُق، وما رأيت مثله رجلًا أبعد من الرجل, ومثل هذا هو نفسه مشكلة, فكيف تحل مشكلته؟ إنه من ناحية زوجته مغفل، لا وصف له عندها إلا هذا؛ ومن جهة حبيبته خائن، والخيانة أول أوصافه عندها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015