التعبير وإشراق النفس في أسرارها، يمور مَوْر الضباب الرقيق من ورائه الأشعة، فهو يحجب جمالًا ليُظهر منه جمالًا آخر؛ وكأنه يعرض بذلك رأيًا للنظر ورأيًا للتصور، ويأتي بكلام يُقرأ بالعين قراءة وبالفكر قراءة غيرها؛ ولفظها سهل، قريب قريب، حتى كأن وجهها هو يحدثك لا لفظها؛ ومادة معانيها من قلبها لا من فكرها، وهو قلب سليم مُقْفَل على خواطره وأحزانه، مسترسل إلى الإيمان بما كُتب عليه استرساله إلى الإيمان بما كُتب له، فما به غرور ولا كبرياء ولا حقد ولا غضب، ولا يَكْرُثه ما هو فيه.
ومن نَكَد الدنيا أن مثل هذا القلب لا يُخلق بفضائله إلا ليُعاقَب على فضائله؛ فغلظة الناس عقاب لرقته، وغدرهم نكاية لوفائه، وتهوُّرهم رد على أَنَاته، وحُمْقهم تكدير لسكونه, وكذبهم تكذيب للصدق فيه.
وما أرى هذا القلب مأخوذًا بحب ذلك الشاب ولا مستهامًا به لذاته، وإنما هو يتعلق صورًا عقلية جميلة كان من عجائب الاتفاق أن عرضتْ له في هذا الشباب أول ما عرضت على مقدار ما؛ وسيكون من عجائب الاتفاق أيضًا أن يزول هذا الحب زوال الواحد إذا وُجدت العشرة، وزوال العشرة إذا وجدت المائة، وزوال المائة إذا وجد الألف.
وبعد هذا كله, فصاحبة المشكلة في كتابها كأنما تكتب في نقد الحكومة على طريقة جعل التوقيع: "فلان غير موظف بالحكومة" وهي فيما كتبت كالنهر الذي يتحدَّر بين شاطئيه, مدعيًا أنه هارب من الشاطئين مع أنه بينهما يجري: تحب صاحبها وتلقاه؛ ثم هي عند نفسها غير جانية عليه ولا على زوجته. فليت شعري عنها، ما عسى أن تكون الجناية بعد زواج الرجل غير هذا الحب وهذا اللقاء؟!
ونحن معها كأرسطاطاليس مع صديقه الظالم حين قال له: هبنا نقدر على محاباتك في ألا تقول: إنك ظالم؛ هل تقدر أنت على ألا تعلم أنك ظالم؟
ورأيها في "المشكلة" أن ليس من أحد يستطيع حلها إلا صاحبها، ثم هو لا يستطيع ذلك إلا بطريقة من طريقتين: فإما أن تكون ضحية أبيها وأبيه -تعني زوجته- ضحيته هو أيضًا، ويستهدف لما يناله من أهله وأهلها، فيكون البلاء عن يمينه وشماله، ويكابد من نفسه ومنهم ما إن أقله ليذهب براحته وينغّص عليه الحب والعيش، "قالت": وإما أن يضحي بقلبه وعقله وبي.
وهذا كلام كأنها تقول فيه: إن أحدًا لا يستطيع حل المشكلة إلا صاحبها،