وشهوة المال إلى حد الوأد وقتل الأولاد. رأى حكامًا اتخذوا بلاد الله تحت سلطانهم غنيمة وعباد الله عبيدًا لهم، ورأى أممًا كقطعان من الغنم ليس لها راع والحكم كسيف في يد سكران يجرح فيه من يعترض سبيله) (?).
"فكان - صلى الله عليه وسلم - المثل الأعلى في فهم واقع الجاهلية والنفاذ إلى نفسيات أهلها، وخوالجهم، فقد أدرك - صلى الله عليه وسلم - الأسباب التي تشدهم إلى الباطل وتعوقهم دون قبول الحق ثم أخذ في علاج تلك العوامل والأسباب فكان - صلى الله عليه وسلم - بذلك يهدم صورة الواقع الباطل في سلود القوم لبنة لبنة ويبني صورة الحق لبنة لبنة، لقد أمضى الرسول - صلى الله عليه وسلم - ثلاث عشرة سنة في مجال العقيدة، ثم انتقل إلى معالجة ما هو فرع لها في السلوك العملي:
فقد عرض - صلى الله عليه وسلم - على الناس تصورات الإِسلام الأساسية ومبادئه الخلقية الراسخة، وأخذ يعد الرجال الذين قبلوا هذه الدعوة وانضووا تحت لوائها أمثال أبي بكر الصديق - رضي الله عنه -، وسائر أبطال الدعوة إلى الله -تعالى-، فلما أن تم له ذلك تقدم خطوة أخرى، فأقام في المدينة المنورة حكومة ثابتة الأركان راسخة القواعد، ثم بعد أن أصبحت المدينة معقل الإِسلام، ومشعل الهداية، وتسلم النبي - صلى الله عليه وسلم - جميع الزعامات فيها، وتمكن منها كل التمكن، تقدم خطوة ثالثة فقام بمهمة التطبيق العملي في واقع مُهَيَّأ ملموس كان يعمل له من ذي قبل سنوات متعددة بالدعوة والتبليغ وبذا أقام - صلى الله عليه وسلم - أحكام الإِسلام وآدابه وسلوكياته مكان العادات والتقاليد الجاهلية الفاسدة، وبفضل هذا السعي الجدي الدائب للإصلاح الشامل ظل - صلى الله عليه وسلم - يطبق