وقد استحكمت غربة مالك بن نبي على الساحة الفكرية؛ نتيجة منهجيته الصارمة التي رتب أفكاره عليها؛ ورؤيته البعيدة التي تضع مشروعه النهضوي في إطاره الإنساني الشامل، وفي موقعه على مسار الدورات الحضارية، متميزا بذلك عن مفكري حركة النهضة؛ بشقيها: السلفي العاكف على تراثه يحاول تكييفه مع حاجات العصر، والحداثي الذي يروم قطع صلاته بالتراث؛ ميمما شطر تجارب ليس لها في أرضه جذور، فلم يفهمه أي من التيارين، ولم يمكن تصنيفه ضمن واحد منهما، فكان مرفوضا منهما كليهما ..

لكن غربة مالك بن نبي قد آذنت بالأفول على ما يبدو، فأفكاره التي استعصت على الفهم لدى أجيال النكبة والانتكاس الحضاري، قد أخدت طريقها الآن إلى جيل الشباب الذي استهدفه مالك، وخصه بهذا الكتاب، فأصبحنا نرى كتبه في أيديهم ينهلون منها نظريا، ونرى أفكاره تتحقق نبوءاتها على أيديهم عمليا، بداية لعصر جديد أمسكوا فيه بزمام المبادرة، وأطلقوا عليه اسم (الربيع العربي).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015