لمستعمر بأن يدير مقهى لحسابه، ألزمه أن يتخذ لمقهاه عنواناً تجارياً يسم تجارته بسمة المستعمرين.

والعجيب أن لهذا الاستبداد الشامل بشؤون المستعمرات مجامع علمية تتبناه، وتقوم على دراسته وتوجيهه، كـ (مدرسة العلوم الاستعمارية بباريس)، وله أيضاً خطته العامة: وهي الميثاق الاستعماري الذي يتعدل تبعاً لظروف الموقف وسير الأحداث. وهناك مؤتمرات دورية تخفي أغراضها بأسمائها: كمؤتمر فولتا (?)، أو مؤتمر أصدقاء لستراداموس (?) ... الخ. وهي تتناول دائماً بالبحث السياسة الاستعمارية، وخطتها الفنية في الاستعمار الأخلاقي والمادي.

وهكذا يحدق الاستعمار بحياة المستعمر من كل جانب، ويوجهها توجيهاً ماكراً لا يغفل أتفه الظروف وأدق التفاصيل.

ومن الواضح أن الاستعمار بصورته هذه يعد عنصراً جوهرياً في فوضى العالم الإسلامي، فهو لا يتدخل فقط بمقتضى العلاقة المباشرة بين الحاكم والمحكوم، بين المستعمِر والمستعمَر، وإنما يتدخل أيضاً بصورة خفية في علاقات المسلمين بعضهم ببعص.

(فحضوره) (?) يتدخل في أتفه تفاصيل الحياة اليومية وأبعدها عن الظن ويستطيع المتنزه في شوارع الجزائر أن يلاحظ في جولته ثلاثة مشاهد على الأقل لها دلالتها في هذا الصدد: سيرى مثلاً صبية صغاراً يبيعون البرتقال، وإذا بالشرطة تطاردهم، ثم إذا بأحدهم ينجو بنفسه ملقياً بضاعته التافهة خلف

طور بواسطة نورين ميديا © 2015