ولذلك اجتهد الكثيرون للظفر بهذا الفضل، وتلك الخيرية التي وعد بها رسولنا -صلى الله عليه وسلم- في قوله: «مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ» (?)، فعكف العلماء من السلف والخلف على تعلم العلم وتعليمه، والجلوس له، والتأليف فيه.
وكانوا فيه أصنافاً عديدة، منهم السابقون، ومنهم الجادون، ومنهم المشمرون الحريصون على بلوغ أعلى الدرجات ومراتب الكمال، والله - جل وعلا - يؤتي فضله وحكمته من يشاء.
وقد أوضح ربنا - جل وعلا - مراتب الكمال وغايته في سورة العصر، وهي أربع مراتب:
الأولى: معرفة الحق، والثانية: العمل به، والثالثة: تعليمه من لا يحسنه، والرابعة: صبره على تعلمه والعمل به وتعليمه.
وقد بذل العلماء في كل زمان ومكان جهدهم في استنباط الأحكام الشرعية، وألفوا المؤلفات الكثيرة المطولة والمختصرة، ومنها ما هو على شكل متون دقيقة العبارة تحتاج إلى شرح وإيضاح، والمعول عليه عند أهل العلم في بيان الأحكام وتقريرها هو الدليل من الكتاب والسنة.
ولذا اجتهد العلماء في تقرير الأحكام الشرعية، وعولوا على الدليل، بل إن الأئمة الكبار كالأئمة الأربعة أمروا بترك أقوالهم، والإعراض عنها إذا خالفت الدليل، وهذا أمر متقرر معلوم، فكلٌ يؤخذ من قوله ويرد إلا المعصوم -صلى الله عليه وسلم-.
ورغم ذلك نبتت نابتة بعدت عن العلماء، وسلكت غير سبيلهم، فزهدت بكتب أهل العلم وطرحها، وهؤلاء لهم سلف من الخوارج الذين سلكوا غير سبيل المؤمنين، وطعنوا في العلماء، فضلوا وأضلوا - عياذاً بالله -.