وقرر حقوقه التي كانت مُنتهكة منذ خلق البشرية، فأرسى للعمل قواعده، وبيّن للعامل حقوقه، وأسند لصاحب العمل واجباته، كلُّ ذلك باعتبار الناس جميعاً مواطنين في المجتمع، والقصد من ذلك تحقيق العدالة الاجتماعية، بالإضافة للحياة الكريمة.

من هنا دعا الإسلام أصحاب العمل إلى معاملة العمّال معاملة إنسانية كريمة، ودعا كذلك إلى الشفقة عليهم والرأفة بهم، فلا طغيان ولا تجبر في العلاقة التشغيلية بين أطراف العمل، ولنا في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسوة حسنة، حيث كان يأكل مع كلّ طبقات المجتمع، والعمّال طبقة منهم -ولا شك- فقال - صلى الله عليه وسلم -:" من لاءمكم (وافقكم) (?) من خدمكم فأطعموهم مما تأكلون، وألبسوهم مما تلبسون، ومن لم يلاءمكم منهم فبيعوا ولا تعذّبوا خلق الله" (?) وهذا غاية التعامل اللطيف الإنساني من النبي - صلى الله عليه وسلم - مع الخدم، الذين هم بمقام العمّال، ويقول - صلى الله عليه وسلم -:" إذا أتى أحدكم خادمه بطعامه، فإن لم يُجلسه معه فليناوله لقمة أو لقمتين، أو أكلة أو أكلتين، فإنه وليَ حرَّه (عند الطبخ) وعلاجه (عند تحصيل آلاته) " (?)،

وقبل وضع القدر على النار، ويؤخذ من هذا أن في معنى الطباخ حامل الطعام، لوجود المعنى فيه وهو تعلّق نفسه به، بل يؤخذ منه الاستحباب في مطلق خدم المرء ممن يعاني ذلك (?)، ولا شك أن سوء معاملة العمّال يعود بالضرر المباشر على صاحب العمل، لقول الله - سبحانه وتعالى -: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} (?).

ومن خلال ما سبق من النصوص القرآنية والأحاديث الشريفة يتبين لنا جُملة من الحقوق الإنسانية المترتبة على صاحب العمل منها:

1. أن يُعامل العامل معاملة حسنة، ويحلم عليه إذا بدر منه أية أخطاء، انطلاقاً من قول الله - سبحانه وتعالى -: {الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015