وهو كذلك.
الوجه الرابعِ: أنه قال تعالى: {أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} [التوبة: 13]، فجَعَل هَمَّهم بإخْرَاج الرَّسُولِ من المحضِّضات على قتالهم، وما ذاك إلاَّ لما فيه من الأذَى، وسَبُّه أغْلَظُ من الهمِّ بإخراجه، بدليل أنه - صلى الله عليه وسلم - عفَا عامَ الْفَتْحِ عن الذين همُّوا بإخراجِه، ولم يَعْفُ عمَّن سَبَّه؛ فالذمِّيُ إذا أظهر سَبَّه فقد نَكَث عهده، وفَعَل ما هو أعظمُ من الهمِّ بإخراج الرسولِ، وبَدَأ بالأذى؛ فيجبُ قتالُه.
الوجه الخامس: قوله تعالى: {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ (14) وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة: 14 - 15].
أمرَ سبحانه بقتالِ الناكثين الطاعنين في الدِّين، وضَمِنَ لنا -إن فَعَلْنا ذلك- أن يُعَذِّبهمِ بأيدينا ويُخزيَهم، وينصرَنا عليهم، ويَشفيَ صدورَ المؤمنين الذين تأذَّوا من نقْضِهم وطَعنِهم، وأن يُذهِبَ غيظَ قلوبهم؛ لأنه رتَّبَ ذلك على قتالِنا ترتيبَ الجزاءِ على الشرط، والتقديرُ: إن تُقَاتلوهم يَكُنْ هذا كلُّه؛ فدلَّ على أن الناكثَ الطاعنَ مستحقٌّ هذا كله، وإلاَّ فالكفارُ يُدَالُونَ علينا المرةَ وندَالُ عليهم الأخرَى (?)، وإن كانت العاقبة للمتقين، وهذا تصديقُ ما جاء في الحديث: "ما نَقَضَ قَوْمٌ العَهْدَ إلاَّ أُديِلَ عَلَيْهِمُ العَدُوُّ" (?) والتعذيبُ