ولم يكن متكبِّرًا ولا ذليلاً، فهو قائمٌ في ثوبِه المرقَّع، كما أوجَده اللهُ يُخاطِبُ بقوله الحُرِّ المبينِ أكاسرةَ العَجَم وقياصرةَ الروم، يُرشِدُهم إلى ما يجبُ عليهم لهذه الحياةِ والحياةِ الآخرة.
وما كان محمدٌ بعاشق قط، ولا شابَ قولَه شائبةُ لَعِبٍ ولهو، فكانت المسائلُ عنده مسألةَ فَناءٍ وبقاء .. أما التلاعبُ بالأقوال، والعبثُ بالحقائق، فما كان من عادتِه قط.
وَيزعُمُ المتعصّبون أن محمدًا لم يكن يريدُ بدعوته غيرَ الشهرةِ الشخصيةِ ومفاخِرَ الجاهِ والحياةِ والسلطان .. كَلا واسم الله، وأيم الله، لقد كان في فؤادِ ذلك الرجل الكبير، ابنِ القفارِ والفَلَواتِ، المتوقِّدِ المُقلَتَيْنِ، العظيم النفس، المملوءِ رحمةً وخيرًا وحَنانًا وبِرًا وحِكْمةً وحِجًى: أفكارٌ غيرُ الطمع الدنيويِّ، وأهدافٌ ساميةٌ، (ونواياه) غيرُ طلبِ الجاهِ والسلطانِ، وكيف وتلك نَفسٌ صافيةٌ كبيرةٌ، ورجل من الذين لا يُمكنُهم إلاَّ أن يكونوا مخلِصِين جادِّين، فبينما ترى آخَرِين يَرضَوْن بالاصطلاحاتِ الكاذبة، إذْ ترى محمدًا لم يَرْض أن يلتفَّعَ بمألوفِ الأكاذيب، ويتوشَّح بمتَّبَع الأباطيل، لقد كان منفردًا بنفسِه العظيمةِ وبحقائق الأمور.
ويزعمُ الكاذبون أن الطمعَ وحبَّ الدنيا هو الذي أقام محمدًا وآثارَه"!! حُمقٌ وسخافهٌّ وهَوَس إنْ رَأَيْنا رأيَهم، أيةُ فائدةٍ لرجل على هذه الصورةِ في جميع بلاد العرب، وفي تاج قيصرَ وصَوْلَجانِ كسرى جميعُ ما بالأرض من تِيجان؟!.
لم يكن كغيره يَرضى بالأوضاع الكاذبة، ويَسيرُ تَبَعًا للاعتبارات