مرةٍ على حقيقةِ بَعثته، ولم يكن في ذلك الاستشهادِ شيءٌ من الحِكمة (?).
ولن نَقِفَ عند المراحل الجزئيةِ لعمليةِ التحرُّر هذه، وسنقتصرُ على إثباتِ أن محمدًا لم يتوصَّلْ إلى حَل المشكلةِ دَفعة واحدةً، بل تمَ ذلك بالتدريج شيئًا فشيئًا، ففي حين كان إبراهيمُ يُعَدُّ في الوحيِ السابق [الذي نزَل على محمد] واحدًا من أسلافِ محمدٍ العديِدينَ فحسب، يُصبحُ الآن [بالنسبة لمحمد] رائدَه ومَثَلَه الأعلى على الإطلاق، وقد استَمدَّ إبراهيمُ هذه المنزلةَ العالية لدى محمدٍ من أمرينِ توصَّل محمدٌ إلى معرفتِهما أولاً في المدينة.
الأمرُ الأول: يتمثلُ في أن إبراهيمَ -الذي يُقدسُه اليهودُ والمسيحيون بنفس الطريقةِ بوصفِه "رجلَ الله"- لم يكن يهوديا ولا مسيحيًّا (?)، وكونُ محمدٍ قد جَعل اصطفاءَه مرتبطًا ارتباطًا وثيقًا بتلك الأبوَّةِ، مَكَّنه مِن تفادِي اتهاماتِ اليهودِ الذين رَمَوه بأنه لم يُراع شريعتَهم مراعاةً تامةً، واتهاماتِ المسيحيين أيضًا الذين عارَضوه بعقيدةِ الخلاصِ عن طريق المسيح وحدَه.