تم بفضل الله الحديث في الصفحات السابقة عن مراحل إيقاظ وتجديد وتقوية الإيمان والتي من المفترض أن يشعر بآثارها الفرد في تعامله مع ربه، ومع الدنيا، ومع الناس، ومع أحداث الحياة، ويشعر بآثارها كذلك في أحوال قلبه.
ويمكننا أن نُصيغ هذه المراحل في أهداف ثلاثة، علينا أن نضعها أمامنا ونسعى للوصول إليها .. هذه الأهداف هي:
أولًا: الهدف القريب: وهو تمكُّن واستحكام اليقظة من القلب، فلا نريد يقظة لحظية، بل نريدها يقظة حقيقية دائمة تتمكن من القلب لتبدأ معها الحياة تدب في جنباته، ولقد أجمل آثارها رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما سُئل عن علامات دخول النور القلب فقال: «الإنابة إلى دار الخلود، والتجافي عن دار الغرور، والاستعداد للموت قبل نزوله» (?).
ثانيًا: ولادة القلب الحي: هذا الهدف لا يمكن الوصول إليه إلا باستمرار تزويد القلب بالإيمان بعد تمكُّن اليقظة منه، والمقصود بولادة القلب الحي: أي تحرره من أَسر الهوى وانفصاله عنه. أو بمعنى آخر: انقطاع الحبل الذي يجمع العلائق التي كان القلب مُتعلقًا بها من دون الله كالمال والجاه والناس، التي تحول بينه وبين التعلق التام بالله عز وجل، والالتزام به، والتوجه الدائم نحوه.
هذه الولادة تتم عندما يعلو النور في القلب على الظلمة بصورة كبيرة، ومن علامات حدوثها: رقة القلب وسرعة تأثره بالمواعظ، وهبوطه وخشوعه وسجوده لله، وسهولة استدعائه إذا أراد صاحبه استحضاره، ومن آثارها كذلك: تحسن ملحوظ في علاقات المرء المختلفة، فيزداد قربه من ربه، وتعلقه به، وتنقص رغبته في الدنيا بصورة ملحوظة، ويقل طمعه في الناس، ويزداد تشميره نحو الجنة ...
ومن آثارها كذلك: راحة البال والشعور بالسكينة والطمأنينة والسلام الداخلي.
الهدف الثالث: الحضور القلبي الدائم مع الله، والتعلق الشديد به - سبحانه - أو بمعنى آخر: تحقيق قوله صلى الله عليه وسلم عندما سُئل عن الإحسان فقال: «أن تعبد الله كأنك تراه» (?)، وهذا يحدث إذا ما استمر الإمداد الإيماني للقلب، فيزداد فيه النور، حتى يصير قلبًا سليمًا أبيضًا، ومن آثار ذلك: خضوع المشاعر والسلوك في مجمله لله عز وجل كما قال صلى الله عليه وسلم: «من أحب لله، وأبغض لله، وأعطى لله، ومنع لله، فقد استكمل الإيمان» (?).
وقال: «لا يبلغ العبد حقيقة الإيمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه» (?).
ومن آثارها كذلك: التعامل مع أحداث الحياة وتقلباتها المختلفة تعاملًا إيمانيًّا كما قال صلى الله عليه وسلم: «عجبًا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير ولا يكون هذا إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له» (?).
والقلب في هذه المرحلة العظيمة يعيش في سعادة عظيمة وعلاقة متينة مع ربه .. فهو شاكرٌ لأنعمه، صابرٌ على بلائه، راضٍ بقضائه، مطمئنٌ بذكره، في شوق دائم إليه وتوجه مستمر نحوه.
نسأل الله عز وجل أن يشملنا بعظيم فضله، وأن يجعلنا من أصحاب القلوب السليمة المطمئنة، وأن ينورها بنور الإيمان به، ويخرجها من ظلمات الجهل والغفلة والهوى.