ولقد كان الصحابة كذلك يعيشون في ظلال هذه الحقيقة، فهذا عبد الله بن عتيك بعد أن قتل أبا رافع اليهودي في حصن خيبر يعود مسرعًا إلى أصحابه يُبشرهم بقتله ويستحثهم على سرعة مغادرة المكان، ومع هذا الوضع المتوتر إلا أنه لم ينس تلك الحقيقة فقال لهم: النجاء، فقد قتل الله أبا رافع (?).
وهذا الطفيل بن عمرو الدوسي يقُصّ على من حوله قصة إسلامه فيقول: وأبى الله إلا أن يُسمعني بعض قوله (?) ..
وعندما كان الزبير بن العوام بوصي ابنه عبد الله بضرورة سداد دَيْنِه قال له في معرض حديثه:
يا بُني إن عجزت عن شيء منه فاستعن عليه مولاي، قال عبد الله: فوالله ما دريت ما أراد حتى قلت: يا أبه، من مولاك؟ قال: الله.
قال عبد الله: فوالله ما وقعت في كربة من دينه إلا قلت: يا مولى الزبير اقض عنه دينه فيقضيه (?).
ومع انعكاس الارتقاء الإيماني على وضوح الرؤية لآيات الله المختلفة، فإنه أيضًا ينعكس على طريقة استقبال العبد لها، وتعامله معها، فتجده يربط النعم التي تَرِد عليه بالله المنعم، ويفرح بفضله - سبحانه - ويستكثر على نفسه هذا الفضل، ومن ثَمَّ تهيج مشاعر الامتنان لله عز وجل في قلبه ليعيش حالة القلب الشاكر.
وفي أوقات المحن والبلايا تجده - وإن تضايق قليلًا في البداية - إلَّا أنه سرعان ما يعود به إيمانه إلى الصبر وعدم الجزع أو التَسخُّط، بل ومن المتوقع - مع استمرار النمو الإيماني - أن يعيش المرء في حالة الرضا عن الله، فيسكن قلبه مهما تقلَّبت به الأحداث.
وباستمرار النمو الإيماني يزداد فهم العبد لأحداث الحياة وتقلباتها وبخاصة المؤلمة منها لتتحول كلها في نظره إلى عطاء من الله عز وجل {قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا} [التوبة: 51].
«عجبًا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير ولا يكون هذا إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له» (?).
ومما يلزم التنويه إليه أنه مهما ارتقى الإيمان في قلب العبد إلا أن بشريته - وما فيها من ضعف - لن تُفارقه، لذلك فمن المتوقع أن تَزِلّ الأقدام في بعض الأمور القليلة والنادرة، لكن داعي الإيمان سُرعان ما يدفع صاحبه للعودة السريعة والتوبة النصوح، واستئناف السير إلى الله {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ} [الأعراف: 201].