- وعن أنس أن رجلًا من أهل مصر أتى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال: يا أمير المؤمنين، عائذ بك من الظلم، قال: عذت معاذًا، قال: سابقت ابن عمرو بن العاص فسبقته فحمل يضربني بالسوط ويقول: أنا ابن الأكرمين، فكتب عمر إلى عمرو يأمره بالقدوم ويُقدم ابنه معه، فقدما، فقال عمر: أين المصري؟ خذ السوط فاضربه، فجعل يضربه بالسوط، وعمر يقول: اضرب ابن الأكرمين. قال أنس: فضرب، فوالله ضربه ونحن نُحب ضربه فما أقلع عنه حتى تمنينا أن يُرفع عنه، ثم قال عمر للمصري: ضع السوط على صلعة عمرو، فقال: يا أمير المؤمنين، إنما ابنه الذي ضربني، وقد استقدت منه، فقال عمر لعمرو: مُذ كم تعبّدتم الناس وقد ولدتهم أُمهاتهم أحرارًا؟ قال: يا أمير المؤمنين، لم أعلم ولم يأتني (?).
- وعن ابن عمر قال: اشتريت إبلًا وارتجعتها إلى الحمى فلما سمنت قدمت بها، فدخل عمر السوق فرأي إبلًا سمانًا فقال: لمن هذه الإبل؟ قيل لعبد الله بن عمر، فجعل يقول: يا عبد الله بن عمر: بخ بخ، ابن أمير المؤمنين، فجئت أسعى، فقلت: مالك يا أمير المؤمنين؟ قال: ما هذه الإبل؟ قلت: اشتريتها وبعثت بها إلى الحمى أبتغي ما يبتغي المسلمون، فقال: ارعو إبل ابن أمير المؤمنين، اسقوا إبل ابن أمير المؤمنين، يا عبد الله بن عمر، اغدُ إلى رأسِ مالك، واجعل الفضل في بيت مال المسلمين (?).
إسداء النصيحة:
بعد انتصارات خالد بن الوليد المتتالية في العراق بعث إليه أبو بكر الصديق برسالة تهنئة ونصيحة فقال فيها:
«فليهنئك أبا سليمان النية والحظوة، فأتمم يتم الله لك، ولا يدخلنك عُجب فتخسر وتُخذل، وإياك أن تدل بعمل فإن الله له المَنّ وهو ولي الجزاء».
وعندما أمَّر عمر بن الخطاب سعد بن أبي وقاص على حرب العراق أرسل إليه وأوصاه فقال:
لا يغرنَّك من الله أن قِيل خال رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحب رسول الله، فإن الله عز وجل لا يمحو السيئ بالسيئ، ولكنه يمحو السيئ بالحسن، فإن الله ليس بينه وبين أحد نسب إلا الطاعة، فالناس شريفهم ووضيعهم في ذات الله سواء، الله ربهم وهم عباده، يتفاضلون بالعاقبة ويدركون ما عنده بالطاعة، فانظر الأمر الذي رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ بُعث إلى أن فارقنا، فالزمه فإنه الأمر. هذه عظتي إياك إن تركتها ورغبت عنها حبط عملك، وكنت من الخاسرين (?).
الانتصاف من النفس:
كان لعثمان بن عفان رضي الله عنه عبد، فقال له: إني كنت عركت أُذنك فاقتص مني، فأخذ بأذنه ثم قال عثمان رضي الله عنه: اشدد، يا حبذا قصاص الدنيا، لا قصاص الآخرة (?).
وعن إياس بن سلمة عن أبيه قال: مرَّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه في السوق ومعه الدرة، فخفقني بها خفقة فأصاب طرف ثوبي، فقال: أمط عن الطريق. فلما كان في العام المُقبل لقيني فقال: يا سلمة، تُريد الحج؟ فقلت: نعم. فأخذ بيدي فانطلق بي إلى منزله فأعطاني ست مائة درهم وقال: استعن بها على حجِّك، واعلم أنها بالخفقة التي خفقتك. قلت: يا أمير المؤمنين ما ذكرتها. قال: وأنا ما نسيتها (?).