التأييد الإلهي للفئة المؤمنة:
عندما ننظر إلى المعارك التي خاضها الجيل الأول مع أعداء الدين نجد أن الميزان «المادي» يميل بقوة نحو أعدائهم من حيث العدد والعُدَّة، ومع ذلك كان النصر حليف المؤمنين، مع الأخذ في الاعتبار بأن الفئة المؤمنة لم تُقصر أبدًا في الأخذ بالأسباب المادية المتاحة أمامها، ولكن كانت تلك الأسباب - مهما بلغت - أقل بكثير مما عند أعدائهم.
ففي معركة بدر يتجلى التأييد الإلهي في صور متعددة ليتوج في النهاية بنصر عزيز: {إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ (11) إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آَمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ} [الأنفال/11، 12].
* وفي فتح المدائن سخر الله نهر دجلة ليعبُر عليه المسلمون بخيولهم ... فبعد انتصار القادسية العظيم - كما يقول ابن كثير في البداية والنهاية - دخل سعد بن أبي وقاص (نهر شير) ولكنه لم يجد فيها أحد ولا شيئًا مما يُغنم، بل قد تحول الفرس إلى المدائن وركبوا السفن، وضمُّوا السفن إليهم، ولم يجد سعد رضي الله عنه شيئا من السفن (لعبور نهر دجلة)، وأخبر سعد بأن كسرى يزدجرد عازم على أخذ الأموال والأمتعة من المدائن، وإنك إن لم تدركه قبل ثلاث فات عليك وتفارط الأمر. فخطب سعد المسلمين على شاطئ دجلة فحمد الله وأثنى عليه وقال: إن عدوكم قد اعتصم منكم بهذا البحر فلا تَخلُصون (تَصلُون) إليهم معه، وهم يخلُصون إليكم إذا شاؤوا فيناوشونكم في سفنهم، وإني قد عزمت على قطع هذا البحر إليهم، فقالوا جميعًا: عزم الله لنا ولك على الرشد فافعل، فندب سعد الناس إلى العبور .. وقد أمر سعد المسلمين عند دخول الماء أن يقولوا: «نستعين بالله ونتوكل عليه، حسبنا الله ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم»، ثم اقتحم بفرسه دجلة واقتحم الناس، ولم يتخلف عنه أحد، فساروا فيها كأنما يسيرون على وجه الأرض حتى ملؤوا ما بين الجانبين، فلا يُرى وجه الماء من الفرسان والرجَّالة، وجعل الناس يتحدثون على وجه الماء كما يتحدثون على وجه الأرض، وذلك لما حصل لهم من الطمأنينة والأمن، والوثوق بأمر الله ووعده ونصره وتأييده .. ولم يُعدم للمسلمين شيء من أمتعتهم غير قدح من خشب لرجل يقال له مالك بن عامر، فدعا صاحبه الله عز وجل وقال: اللهم لا تجعلني من بينهم يذهب متاعي، فرده الموج إلى الجانب الذي يقصدونه، فأخذه الناس ثم ردوه على صاحبه بعينه.
وعندما رآهم الفرس يطفون على وجه الماء قالوا: ديوانًا ديوانًا، أي: مجانين مجانين. ثم قالوا: والله ما تقاتلون إنسًا، بل تقاتلون جنًّا.
وخرج المسلمون من النهر ولم يغرق منهم أحد، ولم يفقدوا شيئًا، ودخلوا المدائن ولم يجدوا بها أحدًا (?).