نُكلِّمه، ولا يذكر لنا شيئاً؛ إلاَّ أنَّن نسمع همهمةً.
حتى إذا صرنا بموضع الشجر لم نَرَ مما رأينا شيئاً، ولا سمعنا ممّا كنّا نسمع حسّاً. حتى إذا كدنا أن نجاوز الشجر سمعنا صوتاً منقطعاً أبحَّ وهو يقول "من الرجز":
أيّ فتى ليلٍ أخي رَوْعاتِ ... وأيّ سَبَّاقٍ إلى الغايات
للهِ درُّ الغُررِ السّاداتِ ... من هاشم الهاماتِ والقاماتِ
مثل رسول اللهِ ذي الآياتِ ... وعمِّه المقتولِ ذي السبقاتِ
حمزةَ ذي الجنّاتِ والرَّوضاتِ ... أو كعليٍ كاشف الكرباتِ
كذا يكونُ الموفيَ الحاجاتِ ... والضرب للأبطالِ والهاماتِ
قال سَلَمَة بن الأكوع: وعلٌّ أمامنا يرتجز ويقول "من الرجز":
الليلُ هولٌ يرهبُ المهيبا ... ويُذهلُ المشجَّعَ اللبيبَا
ولستُ فيه أرهبُ الترهيبا ... لأنني أهولُ منه ذيبَا
ولستُ أخشى الرَّوع والخطوبا ... ولا أُبالي الهولَ والكروبا
إذا هززتُ الصَّارم القضيبا ... أبصرتَ منه عجباً عجيبا
قال سَلَمَة: وانتهى عليٌّ إلى النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وله زجل.
فقال له رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ماذا رأيت في طريقك يا عليُّ؟ فأخبره بما رأى. فقال: إنّ الذي رأيت مَثَل ضَرَبَه الله لي ولمن حضر معي في وجهي هذا. قال عليٌّ: بأبي وأمي يا رسول الله فاشرحه لي.
قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: أمَّا الرؤوس التي رأيت والنيران، والرؤوس ملجلجة بألسنتها لها أصوات هائلة، وضجة مفزعة: فذاك مثل أناس يشهدون معي، ويرون إحساني ويسمعون كتاب ربّي وحكمته، ولا تؤمن قلوبهم. والهاتف الذي هتف بك فذاك قاتل الحقِّ وهو سملقة بن عراني الذي قتل عدوَّ الله مِسْعراً شيطان