لمّا توجه رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يوم الحديبية إلى مكة، أصاب الناس عطش شديد، وحرٌّ شديد؛ فنزل رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم الجحفة متعطشاً والناس عطاش. فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: مَن رجل يمضي في نفر من المسلمين معهم القِرَب، فيَردون البئر ذات العَلَم، ثم يعود، فيضمن له رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم الجنَّة؟ فقام رجل من القوم فقال: أنا يا رسول الله. فوجَّهه النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم، ووجَّه معه السُّقاة.
فأخبرني سَلَمَة بن الأكوع، قال: كنتُ في السُّقاة. قال: فمضينا؛ حتى إذا دنونا من الشجر والبئر سمعنا في الشجر حسّاً وحركةً شديدةً، ورأينا نيراناً تتّقد بغير حطب، فأُرعب الرجل الذي كنّا معه، وأُرعبناً رُعباً شديداً حتى ما يملك أحد منا نفسه، فرجعنا ولم نطقْ أن نجاوز الشجر.
فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: ما لَكَ رجعت؟ بأبي وأُمي يا رسول الله؛ إني لماض إلى الدَّغل والشجر إذ سمعنا حركةً شديدةً، ورأينا نيراناً تتقد بغير حطب، فأُرعبنا رعباً شديداً، فلم نقدر أن نجاوز موضعنا، فرجعنا إليك يا رسول الله.
فقال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: تلك عصابة من الجنِّ هوَّلت عليك. أما أنك لو مضيت لوجهك حيث أمرتك ما نالك منهم سوء، ولرأيت فيهم عبرةً وعجباً.
قال: ثم دعا رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم رجلاً آخر من أصحابه، فوجَّه به، وقد سمع كلام رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم للرجل الأول حيث قال: أما أنك لو مضيت لوجهك حيث أمرتك لما نالك مكروه.