كانوا عند صنم لهم يجتمعون إليه، وقد اتخذوا ذلك اليوم من كلِّ سنةٍ عيداً، وكانوا يعظمونه، وينحرون له الجزر، ثم يأكلون ويشربون الخمر، ويعكفون عليه. فدخلوا عليه في الليل فرأوه مكبوباً على وجهه، فأنكروا ذلك، فأخذوه فردُّوه إلى حاله فلم يلبث أن انقلب انقلاباً عنيفاً، فأخذوه فردُّوه إلى حاله. فانقلب الثالثة. فلمّا رأوه ذلك اغتمّوا له، واعظموا ذلك.
فقال عثمان بن الحويرث: ما له قد اكثر التنكس؟ إنّ هذا لأمر قد حدث.
وذلك في الليلة التي ولد فيها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
فجعل عثمان يقول "من الطويل":
أَيا صنمَ العيد الذي صُفَّ حولَهُ ... صناديد وفدٍ من بعيدٍ ومن قربِ
تكوَّستَ مغلوباً فما ذاك قلْ لنا ... أَذاك سفيةٌ أم تكوَّست لِلَّعْبِ
فإِن كان من ذنبٍ أَتينا فإِننا ... نبوءُ بإِقرارٍ ونُولي على الذنبِ
وإِن كنتَ مغلوباً تكوَّست صاغراً ... فما أَنت في الأَوثان بالسيّد الرَّبِّ
قال: وأخذوا الصنم فردُّوهُ إلى حاله، فما استوى هتف بهم هاتفٌ من الصنم بصوتٍ جهيرٍ، وهو يقول "من الطويل":
تَرَدَّى لمولودٍ أَنارت بنورهِ ... جميعُ فجاج الأَرض بالشرقِ والغربِ
وَخَرَّت لهُ الأَوثانُ طُرَّاً وأُرعدت ... قلوبُ ملوكِ الأَرض طُرَّاً من الرعبِ
ونارُ جميعُ الفرسِ باخت وأَظلمت ... وقد باتَ شاهُ الفرسِ في أَعظم الكربِ