إن خُلُق السماحة يقتضي من صاحبه المبادرة إلى التنازل عند الوقوع في أي موقف جدلي، ولنتذكر دائمًا أن العلم بميقات ليلة القدر خير كبير حُرِمت منه الأمة؛ بسبب انعدام روح السماحة بين رجلين من الأمة: «خرجتُ لأُخبِركم بليلة القدر، فتلاحى فلان وفلان فرُفِعت» (?)، وكم تُحرم الأمة من البركات والنِّعم والنصر حين تدبُّ الخصومات، بل إن صفة أساسية من أخلاقيات المنافق أنه: «وإذا خاصم فجر» (?)، ولا يليق بالرجل السمح أن يتعنَّت ويجادل ويشد ويَصِيح، ناهيك عن أن يفجر في الخصومة (والفجور: الميل عن الحق والاحتيال في رده) (?).
وإنه مما يتنافى مع روح السماحة أن يقع الإخوة في جدالات تافهة لأمور سياسية، أو قضايا فكرية، أو توقعات غيبية، ثم تجدهم يَنْفضُّون متباغضين، وما كانت البداية إلا روح الجدل، و «ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل» (?)، ولحثِّ المسلمين على السماحة في الحوار، والتنازل عند الاختلاف، وعدم الوقوع في مغبة الجدل، تعهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ببيت في الجنة لمن تنازل: «أنا زعيم ببيت في رَبَضِ الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقًّا» (?)، ولا يمكن أن يكون سماحة وتنازلًا إلا حين يكون المرء محقًا، وإنه لعسير، وإن أجره لكبير.