والاختصاص. وقد يكون الأمر واضحا فيما يختص بالتصور والاعتقاد ولكنه قد لا يكون بهذه الدرجة من الوضوح فيما يختص بالقبلة وشعائر العبادة .. هنا تعرض التفاتة إلى قيمة أشكال العبادة. إن الذي ينظر إلى هذه الأشكال مجردة عن ملابساتها، ومجردة كذلك عن طبيعة النفس البشرية وتأثراتها ..
ربما يبدوله أن في الحرص على هذه الأشكال بذاتها شيئا من التعصب الضيق، أو شيئا من التعبد للشكليات! ولكن نظرة أرحب من هذه النظرة، وإدراكا أعمق لطبيعة الفطرة، يكشفان عن حقيقة أخرى لها كل الاعتبار.
إن في النفس الإنسانية ميلا فطريا - ناشئا من تكوين الإنسان ذاته من جسد ظاهر وروح مغيب - إلى اتخاذ أشكال ظاهرة للتعبير عن المشاعر المضمرة. فهذه المشاعر المضمرة لا تهدأ أولا تستقر حتى تتخذ لها شكلا ظاهرا تدركه الحواس وبذلك يتم التعبير عنها. يتم في الحس كما تم في النفس. فتهدأ حينئذ وتستريح وتفرغ الشحنة الشعورية تفريغا كاملا وتحس بالتناسق بين الظاهر والباطن وتجد تلبية مريحة لجنوحها إلى الأسرار والمجاهيل وجنوحها إلى الظواهر والأشكال في ذات الأوان.
وعلى هذا الأساس الفطري أقام الإسلام شعائره التعبدية كلها. فهي لا تؤدى بمجرد النية، ولا بمجرد التوجه الروحي. ولكن هذا التوجه يتخذ له شكلا ظاهرا: قياما واتجاها إلى القبلة وتكبيرا وقراءة وركوعا وسجودا في الصلاة. وإحراما من مكان معين ولباسا معينا وحركة وسعيا ودعاء وتلبية ونحرا وحلقا في الحج. ونية وامتناعا عن الطعام والشراب والمباشرة في الصوم .. وهكذا في كل عبادة حركة، وفي كل حركة عبادة، ليؤلف بين ظاهر النفس وباطنها، وينسق بين طاقاتها، ويستجيب للفطرة جملة بطريقة تتفق مع تصوره الخاص.
ولقد علم اللّه أن الرغبة الفطرية في اتخاذ أشكال ظاهرة للقوى المضمرة هي التي حادث بالمنحرفين عن الطريق السليم. فجعلت جماعة من الناس ترمز للقوة الكبرى برموز محسوسة مجسمة من حجر وشجر، ومن نجوم وشمس وقمر، ومن حيوان وطير وشيء .. حين أعوزهم أن يجدوا متصرفا منسقا للتعبير الظاهر عن القوى الخفية .. فجاء الإسلام يلبي دواعي