والقدر الضروري له منه ليعلم مركزه في الكون بالقياس إلى ما حوله ومن حوله، قد تكفل اللّه سبحانه ببيانه له، لأنه أكبر من طاقته. وبالقدر الذي يدخل في طاقته. ومنه هذا الغيب الخاص بالملائكة والشياطين والروح والمنشأ والمصير ..
فأما الذين اهتدوا بهدى اللّه، فقد وقفوا في هذه الأمور عند القدر الذي كشفه اللّه لهم في كتبه وعلى لسان رسله. وأفادوا منه الشعور بعظمة الخالق، وحكمته في الخلق، والشعور بموقف الإنسان في الأرض من هذه العوالم والأرواح. وشغلوا طاقاتهم العقلية في الكشف والعلم المهيأ للعقل في حدود هذه الأرض وما حولها من أجرام بالقدر الممكن لهم. واستغلوا ما علموه في العمل والإنتاج وعمران هذه الأرض والقيام بالخلافة فيها، على هدى من اللّه، متجهين إليه، مرتفعين إلى حيث يدعوهم للارتفاع.
وأما الذين لم يهتدوا بهدى اللّه فانقسموا فرقتين كبيرتين: فرقة ظلت تجاهد بعقولها المحدودة لإدراك غير المحدود من ذاته تعالى، والمعرفة الحقيقية المغيبة عن غير طريق الكتب المنزلة. وكان منهم فلاسفة حاولوا تفسير هذا الوجود وارتباطاته، فظلوا يتعثرون كالأطفال الذين يصعدون جبلا شاهقا لا غاية لقمته، أو يحاولون حل لغز الوجود وهم لم يتقنوا بعد أبجدية الهجاء!
وكانت لهم تصورات مضحكة - وهم كبار فلاسفة - مضحكة حقا حين يقرنها الإنسان إلى التصور الواضح المستقيم الجميل الذي ينشئه القرآن. مضحكة بعثراتها. ومضحكة بمفارقاتها. ومضحكة بتخلخلها. ومضحكة بقزامتها بالقياس إلى عظمة الوجود الذي يفسرونه بها .. لا أستثني من هذا فلاسفة الإغريق الكبار، ولا فلاسفة المسلمين الذين قلدوهم في منهج التفكير. ولا فلاسفة العصر الحديث! وذلك حين يقاس تصورهم إلى التصور الإسلامي للوجود (?).
فهذه فرقة. فأما الفرقة الأخرى، فقد يئست من جدوى هذا الاتجاه في المعرفة. فعدلت عنه إلى حصر نفسها وجهدها في العلم التجريبي والتطبيقي. ضاربة صفحا عن المجهول.،الذي ليس إليه من سبيل. وغير مهتدية فيه بهدى اللّه. لأنها لا تستطيع أن تدرك اللّه!