والنفر ما بين الثلاثة والتسعة كالرهط. وقيل كانوا سبعة.
وهذا الافتتاح يدل على أن معرفة النبي - صلى الله عليه وسلم - بأمر استماع الجن له، وما كان منهم بعد أن سمعوا القرآن منه .. كانت بوحي من اللّه سبحانه إليه، وإخبارا عن أمر وقع ولم يعلم به الرسول - صلى الله عليه وسلم - ولكن اللّه أطلعه عليه. وقد تكون هذه هي المرة الأولى، ثم كانت هناك مرة أو مرات أخرى قرأ النبي فيها على الجن عن علم وقصد. ويشهد بهذا ما جاء بشأن قراءته - صلى الله عليه وسلم - سورة الرحمن «أخرجه الترمذي بإسناده - عَنْ جَابِرٍ رضى الله عنه قَالَ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى أَصْحَابِهِ فَقَرَأَ عَلَيْهِمْ سُورَةَ الرَّحْمَنِ مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا فَسَكَتُوا فَقَالَ «لَقَدْ قَرَأْتُهَا عَلَى الْجِنِّ لَيْلَةَ الْجِنِّ فَكَانُوا أَحْسَنَ مَرْدُودًا مِنْكُمْ كُنْتُ كُلَّمَا أَتَيْتُ عَلَى قَوْلِهِ (فَبِأَىِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) قَالُوا لاَ بِشَىْءٍ مِنْ نِعَمِكَ رَبَّنَا نُكَذِّبُ فَلَكَ الْحَمْدُ» (?). ..
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَرَأَ سُورَةَ الرَّحْمَنِ، أَوْ قُرِئَتْ عِنْدَهُ، فَقَالَ:" مَا لِي أَسْمَعُ الْجِنَّ أَحْسَنَ جَوَابًا لِرَبِّهَا مِنْكُمْ؟ " قَالُوا: مَاذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ:" مَا أَتَيْتُ عَلَى قَوْلِ اللَّهِ: فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ؟ إِلَّا قَالَتِ الْجِنُّ: لَا بِشَيْءٍ مِنْ نِعْمَةِ رَبِّنَا نُكَذِّبُ " (?)
وهذه الرواية تؤيد رواية ابن مسعود - رضي اللّه عنه التي سبقت الإشارة إليها في المقدمة.
ولا بد أن هذه المرة التي تحكيها هذه السورة هي التي تحكيها آيات الأحقاف: «وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ. فَلَمَّا حَضَرُوهُ قالُوا: أَنْصِتُوا. فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ. قالُوا: يا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى، مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ، يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ. يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ. وَمَنْ لا يُجِبْ داعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءُ، أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ» ..
فإن هذه الآيات - كالسورة - تنبئ عن وهلة المفاجأة بهذا القرآن للجن مفاجأة أطارت تماسكهم، وزلزلت قلوبهم، وهزت مشاعرهم، وأطلقت في كيانهم دفعة عنيفة من التأثر امتلأ