ولقد حقق القرآن بمنهجه ذاك خوارق في تكييف تلك النفوس التي تلقته مرتلا متتابعا، وتأثرت به يوما يوما، وانطبعت به أثرا أثرا. فلما غفل المسلمون عن هذا المنهج، واتخذوا القرآن كتاب متاع للثقافة، وكتاب تعبد للتلاوة، فحسب، لا منهج تربية للانطباع والتكيف ومنهج حياة للعمل والتنفيذ. لم ينتفعوا من القرآن بشيء، لأنهم خرجوا عن منهجه الذي رسمه العليم الخبير ..
ويمضي في تثبيت الرسول - صلى الله عليه وسلم - وتطمينه على إمداده بالحجة البالغة كلما فتحوا له بابا من الجدل، وكلما اقترحوا عليه اقتراحا، أو اعترضوا عليه اعتراضا: «وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْناكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً» ..
وإنهم ليجادلون بالباطل، واللّه يرد عليهم باطلهم بالحق الذي يدمغه. والحق هو الغاية التي يريد القرآن تقريرها، وليس مجرد الانتصار في الجدل، ولا الغلب في المحاجة. إنما هو الحق القوي بنفسه، الواضح الذي لا يتلبس به الباطل.
واللّه سبحانه يعد رسوله - صلى الله عليه وسلم - بالعون في كل جدل يقوم بينه وبين قومه. فهو على الحق، واللّه يمده بالحق الذي يعفى على الباطل. فأنى يقف جدلهم لحجة اللّه البالغة؟ وأنى يقف باطلهم للحق الدامغ الذي يتنزل من عند اللّه؟ (?)