ثُمَّ قَالَ: يَا ابْنَ عُمَرَ أَتُرَانِي جَزَيْتُهَا؟ قَالَ: لَا، وَلَا بِزَفْرَةٍ وَاحِدَةٍ " (?) ..
ولأن الانفعالات والحركات موصولة بالعقيدة في السياق، فإنه يعقب على ذلك يرجع الأمر كله للّه الذي يعلم النوايا، ويعلم ما وراء الأقوال والأفعال: «رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما فِي نُفُوسِكُمْ، إِنْ تَكُونُوا صالِحِينَ فَإِنَّهُ كانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُوراً».
وجاء هذا النص قبل أن يمضي في بقية التكاليف والواجبات والآداب ليرجع إليه كل قول وكل فعل وليفتح باب التوبة والرحمة لمن يخطىء أو يقصر، ثم يرجع فيتوب من الخطأ والتقصير.
وما دام القلب صالحا، فإن باب المغفرة مفتوح. والأوابون هم الذين كلما أخطأوا عادوا إلى ربهم مستغفرين.
ثم يمضي السياق بعد الوالدين إلى ذوي القربى أجمعين ويصل بهم المساكين وابن السبيل، متوسعا في القرابات حتى تشمل الروابط الإنسانية بمعناها الكبير: «وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً، إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ، وَكانَ الشَّيْطانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوها، فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُوراً».
والقرآن يجعل لذي القربى والمسكين وابن السبيل حقا في الأعناق يوفى بالإنفاق. فليس هو تفضلا من أحد على أحد إنما هو الحق الذي فرضه اللّه، ووصله بعبادته وتوحيده. الحق الذي يؤديه المكلف فيبرىء ذمته، ويصل المودة بينه وبين من يعطيه، وإن هو إلا مؤد ما عليه للّه.
وينهى القرآن عن التبذير. والتبذير - كما يفسره ابن مسعود وابن عباس - الإنفاق في غير حق. وقال مجاهد:لو أنفق إنسان ماله كله في الحق لم يكن مبذرا، ولو أنفق مدّا في غير حق كان مبذرا.