ينبسط في ظرف ويضيق في ظرف آخر حسب نواميس الخلق والاجتماع والاقتصاد الربانية وما من آثار ذلك من تفاوت الناس في النشاط والمواهب والفرص.

وهذا كله قد تكرر في آيات مماثلة في سور أخرى. منها آيات سورة الفجر فَأَمَّا الْإِنْسانُ إِذا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) وَأَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهانَنِ (16) كَلَّا ... وقد نبهنا فيها إلى تلك النواميس. ومنها آيات سورة الروم [37] وسورة سبأ [36] والمعنى الملموح يبدو أكثر وضوحا في هاتين الآيتين على ما سوف نشرحه بعد.

ولقد احتوت الآية [31] صورة من صور ما كان العرب أو بعضهم يفعله في الأزمات الغذائية حيث كانوا يقتلون أطفالهم تخلصا من كثرة العائلة وما تسببه من ضيق وإملاق والمتبادر أن هذه الصورة هي غير ما كان من عادة ذبح الأبناء قرابين للمعبودات والأصنام مما ينطوي في آية سورة الأنعام هذه وَكَذلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ ما فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ (137) وهي على الأرجح غير ما كان من وأد البنات أحياء مما ذكرته آيات سورة النحل هذه وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (58) يَتَوارى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ ما بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ أَلا ساءَ ما يَحْكُمُونَ (59) على ما سوف نشرحه بعد.

واحتوت الآية [33] كذلك صورة لما كان عليه العرب في حالة وقوع حادث قتل حيث كان أولياء القتيل يسارعون إلى الأخذ بثأرهم اعتباطا فلا يتقيدون بقتل القاتل وإنما يقتلون غيره من ذوي قرباه ويسرفون أحيانا في الثأر والانتقام، لا سيما إذا كانوا أقوى من أرومة القاتل. وقد سلمت الآية بحق وليّ القتيل في القصاص ثم نهته عن إساءة استعمال هذا الحق. حيث انطوى في ذلك إيذان بالقضاء على عادة جاهلية ظالمة وتنبه على أن المفسرين بالإضافة إلى حملهم الآية على ما ذكرناه حملوا جملة فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ على محمل آخر أيضا حيث قالوا إن الخطاب فيها موجه إلى من يريد أن يقترف فعل قتل من باب التحذير

طور بواسطة نورين ميديا © 2015