كلها .. أبطلت بآيات من القرآن، أو كلمات من الرسول - صلى الله عليه وسلم - بينما الحكومات الأرضية تجهد في شيء من هذا كله بقوانينها وتشريعاتها، ونظمها وأوضاعها، وجندها وسلطاتها، ودعايتها وإعلامها، فلا تبلغ إلا أن تضبط الظاهر من المخالفات، بينما المجتمع يعج بالمنهيات والمنكرات! (?)

وجانب آخر من طبيعة هذا الدين يتجلى في هذا المنهج القويم0إن هذا الدين منهج عملي حركي جاد .. جاء ليحكم الحياة في واقعها، ويواجه هذا الواقع ليقضى فيه بأمره .. يقره، أو يعدله، أو يغيره من أساسه .. ومن ثم فهو لا يشرِّع إلا لحالات واقعة فعلاً، في مجتمع يعترف ابتداء بحاكمية الله وحده ..

إنه ليس " نظرية " تتعامل مع " الفروض "! .. إنه " منهج "،يتعامل مع " الواقع "! .. فلا بد أولاً أن يقوم المجتمع المسلم الذي يقر عقيدة: أن لا إله إلاَّ الله، وأن الحاكمية ليست إلا لله ويرفض أن يقر بالحاكمية لأحد من دون الله، ويرفض شرعية أي وضع لا يقوم على هذه القاعدة ..

وحين يقوم هذا المجتمع فعلاً، تكون له حياة واقعية، تحتاج إلى تنظيم والى تشريع .. وعندئذ فقط يبدأ هذا الدين في تقرير النظم وفي سن الشرائع لقوم مستسلمين أصلاً للنظم والشرائع، رافضين أصلاً لغيرها من النظم والشرائع ..

ولا بد أن يكون للمؤمنين بهذه العقيدة من سلطان على أنفسهم وعلى مجتمعهم ما يكفل تنفيذ النظام والشرائع في هذا المجتمع حتى يكون للنظام هيبته، ويكون للشريعة جديتها .. فوق ما يكون لحياة هذا المجتمع من واقعية تقتضي الأنظمة والشرائع من فورها ..

والمسلمون في مكة لم يكن لهم سلطان على أنفسهم ولا على مجتمعهم0وما كانت لهم حياة واقعية مستقلة هم الذين ينظمونها بشريعة الله .. ومن ثم لم ينزِّل الله لهم في هذه الفترة تنظيمات وشرائع، وإنما نزَّل لهم عقيدة، وخلقاً منبثقاً من هذه العقيدة بعد استقرارها في الأعماق البعيدة .. فلما أن صارت لهم دولة في المدينة ذات سلطان، تنزلت عليهم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015