قول الحق تبارك وتعالى: {إِنَّ هَاذَا الْقُرْآنَ .. } [الإسراء: 9]
هل عند نزول هذه الآية كان القرآن كله قد نزل، ليقول: إن هذا القرآن؟
نقول: لم يكن القرآن كله قد نزل، ولكن كل آية في القرآن تُسمّى قرآناً، كما قال تعالى: {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} [القيامة: 18]
فليس المراد القرآن كله، بل الآية من القرآن قرآن. ثم لما اكتمل نزول القرآن، واكتملتْ كل المسائل التي تضمن لنا استقامة الحياة، قال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً .. } [المائدة: 3]
فإن استشرف مُسْتشرف أنْ يستزيد على كتاب الله، أو يأتي بجديد فليعلم أن منهج الله مُنزَّه عن النقص، وفي غِنىً عن زيادتك، وما عليك إلا أن تبحث في كتاب الله، وسوف تجد فيه ما تصبو إليه من الخير.
قوله: {يَِهْدِي .. } [الإسراء: 9] الهداية هي الطريق الموصِّل للغاية من أقرب وَجْه، وبأقل تكلفة وهي الطريق المستقيم الذي لا التواءَ فيه، وقلنا: إن الحق سبحانه يهدي الجميع ويرسم لهم الطريق، فمن اهتدى زاده هُدى، كما قال سبحانه: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْاْ زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقُوَاهُمْ} [محمد: 17]
ومعنى: {أَقْوَمُ .. } [الإسراء: 9] أي: أكثر استقامة وسلاماً. هذه الصيغة تُسمّى أفعل التفضيل، إذن: فعندنا (أقوم) وعندنا أقل منه منزلة (قَيّم) كأن نقول: عالم وأعلم.
فقوله سبحانه: {إِنَّ هَاذَا الْقُرْآنَ يَِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ .. } [الإسراء: 9] يدل على وجود (القيّم) في نُظم الناس وقوانينهم الوضعية، فالحق سبحانه لا يحرم البشر من أن يكون لهم قوانين وشرائع حينما تعضُّهم المظالم ويشْقُون بها، فيُقنّنون تقنيات تمنع هذا الظلم.
ولا مانع من ذلك إذا لم ينزل لهم منهج من السماء، فما وضعوه وإنْ كان قَيّماً فما وضعه الله أقوم، وأنت لا تضع القيم إلا بعد أن تُعضَّ بشيء مُعوج غير قيّم، وإلا فماذا يلفتُك للقيم؟