وَهَذَا النُّورُ عَظِيمٌ يَكْشِفُ الْحَقَائِقَ كَشْفًا عَظِيمًا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ - إِلَى قَوْلِهِ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [24/ 35]،وَلَمَّا كَانَ تَتَبُّعُ جَمِيعِ مَا تَدُلُّ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ مِنْ هَدْيِ الْقُرْآنِ لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ يَقْتَضِي تَتَبُّعَ جَمِيعِ الْقُرْآنِ وَجَمِيعِ السُّنَّةِ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ بِالسُّنَّةِ مِنْ هَدْيِ الْقُرْآنِ لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [59/ 7]،وَكَانَ تَتَبُّعُ جَمِيعِ ذَلِكَ غَيْرَ مُمْكِنٍ فِي هَذَا الْكِتَابِ الْمُبَارَكِ، اقْتَصَرْنَا عَلَى هَذِهِ الْجُمَلِ الَّتِي ذَكَرْنَا مِنْ هَدْيِ الْقُرْآنِ لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ تَنْبِيهًا بِهَا عَلَى غَيْرِهَا، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى .. (?)
وقال دروزة:" وواضح من روح الآيتين وفحواهما أن ما يهدي القرآن إليه من الطريق الأقوم شامل لصلاح البشر وسعادتهم في الدنيا والآخرة معا.
ويلحظ أمر مهم حين المقارنة. فقد ذكر في الآيات السابقة أن اللّه تعالى قد جعل الكتاب الذي آتاه موسى هدى لبني إسرائيل، بينما جاءت الآيتان مطلقتين ليشمل هدى القرآن جميع الناس ولتبشرا المؤمنين الصالحين من جميع الناس بالأجر. والكافرين منهم بالعذاب إطلاقا ما هو متسق مع عموم الرسالة المحمدية على ما قررته آيات عديدة مرّت أمثلة بها.
وفي الآيتين تأييد لما قلناه في مناسبات سابقة من أن كلمة (القرآن) أريد بها في الأصل التعبير عما في القرآن من أسس الدعوة ومبادئها.
ومن الجدير بالتنبيه أن هذه الآيات ليست الوحيدة في هذه السورة التي احتوت تنويها بالقرآن. حيث تكرر ذلك مرارا على ما سوف يأتي التنبيه إليه. وجاء في ما جاء إعلان رباني بأن الجن والإنس لو تظاهروا سيكونون عاجزين عن الإتيان بمثله. حيث يبدو من ذلك أن القرآن كان موضوع أخذ وردّ شديدين بين النبي والكفار في ظرف نزول السورة. ولقد احتوت هذه السورة فصولا عديدة فيها جماع أسباب الصلاح والسعادة والنجاة للبشر في الدنيا والآخرة حيث يمكن أن يكون تكرار التنويه متصلا بهذا أيضا.
على أن من الواجب أن ننبه مع ذلك إلى أن التنويه بما في القرآن من هدى ورحمة وإحكام وحكمة وبينات وذكرى قد تواصل في مختلف السور المكية والمدنية فضلا عن أنه كان