ثِقَاتٌ، وَقَالَ شَارِحُهُ الْعَزِيزِيُّ: هُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ0وَقَالَ فِيهِ الشَّيْخُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعَجْلُونِيُّ فِي كِتَابِهِ (كَشْفُ الْخَفَاءِ وَمُزِيلُ الْإِلْبَاسِ عَمَّا اشْتُهِرَ مِنَ الْأَحَادِيثِ عَلَى أَلْسِنَةِ النَّاسِ) قَالَ النَّجْمُ: رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ حِبَّانَ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ0وَمُرَادُهُ بِالنَّجْمِ: الشَّيْخُ مُحَمَّدٌ نَجْمُ الدِّينِ الْغُزِّيُّ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى (إِتْقَانُ مَا يُحْسِنُ مِنَ الْأَخْبَارِ الدَّائِرَةِ عَلَى الْأَلْسُنِ) فَانْظُرْ كَيْفَ سَمَّى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ذَلِكَ النِّدَاءَ «عَزَاءَ الْجَاهِلِيَّةِ» وَأَمَرَ أَنْ يُقَالَ لِلدَّاعِي بِهِ «اعْضَضْ عَلَى هِنِّ أَبِيكَ» أَيْ فَرْجِهِ، وَأَنْ يُصَرَّحَ لَهُ بِذَلِكَ وَلَا يُعَبَّرُ عَنْهُ بِالْكِنَايَةِ، فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى شِدَّةِ قُبْحِ هَذَا النِّدَاءِ، وَشِدَّةِ بُغْضِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - لَهُ.
وَاعْلَمْ أَنَّ رُؤَسَاءَ الدُّعَاةِ إِلَى نَحْوِ هَذِهِ الْقَوْمِيَّةِ الْعَرَبِيَّةِ: أَبُو جَهْلٍ، وَأَبُو لَهَبٍ، وَالْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، وَنُظَرَاؤُهُمْ مِنْ رُؤَسَاءِ الْكَفَرَةِ.
وَقَدْ بَيَّنَ تَعَالَى تَعَصُّبَهُمْ لِقَوْمِيَّتِهِمْ فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ؛ كَقَوْلِهِ: قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا الْآيَةَ [5/ 104] وَقَوْلِهِ: قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا الْآيَةَ [2/ 170]،وَأَمْثَالِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنِ الْعُلَمَاءِ - كَمَا ذَكَرْنَا آنِفًا - فِي مَنْعِ النِّدَاءِ بِرَابِطَةٍ غَيْرِ الْإِسْلَامِ، كَالْقَوْمِيَّاتِ وَالْعَصَبِيَّاتِ النِّسْبِيَّةِ، وَلَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ النِّدَاءُ بِالْقَوْمِيَّةِ يُقْصَدُ مِنْ وَرَائِهِ الْقَضَاءُ عَلَى رَابِطَةِ الْإِسْلَامِ وَإِزَالَتُهَا بِالْكُلِّيَّةِ، فَإِنَّ النِّدَاءَ بِهَا حِينَئِذٍ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيُّ: أَنَّهُ نِدَاءٌ إِلَى التَّخَلِّي عَنْ دِينِ الْإِسْلَامِ، وَرَفْضِ الرَّابِطَةِ السَّمَاوِيَّةِ رَفْضًا بَاتًّا، عَلَى اللَّهِ أَنَّ يَعْتَاصَ مِنْ ذَلِكَ رَوَابِطَ عَصَبِيَّةً قَوْمِيَّةً، مَدَارُهَا عَلَى أَنَّ هَذَا مِنَ الْعَرَبِ، وَهَذَا مِنْهُمْ أَيْضًا مَثَلًا0فَالْعُرُوبَةُ لَا يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ خَلَفًا مِنَ الْإِسْلَامِ، وَاسْتِبْدَالُهَا بِهِ صَفْقَةٌ خَاسِرَةٌ، فَهِيَ كَمَا قَالَ الرَّاجِزُ:
بَدَّلْتُ بِالْجَمَّةِ رَأْسًا أَزْعَرًا ... وَبِالثَّنَايَا الْوَاضِحَاتِ الدُّرْدُرَا
كَمَا اشْتَرَى الْمُسْلِمُ إِذْ تَنَصَّرَا
وَقَدْ عُلِمَ فِي التَّارِيخِ حَالُ الْعَرَبِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ وَحَالُهُمْ بَعْدَهُ كَمَا لَا يَخْفَى.
وَقَدْ بَيَّنَ اللَّهُ جَلَّ وَعَلَا فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ: أَنَّ الْحِكْمَةَ فِي جَعْلِهِ بَنِي آدَمَ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ هِيَ التَّعَارُفُ فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَلَيْسَتْ هِيَ أَنْ يَتَعَصَّبَ كُلُّ شَعْبٍ عَلَى غَيْرِهِ، وَكُلُّ قَبِيلَةٍ عَلَى غَيْرِهَا، قَالَ جَلَّ وَعَلَا: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ