وَشِدَّةُ قُبْحِ الزِّنَى أَمْرٌ مَرْكُوزٌ فِي الطَّبَائِعِ، وَقَدْ قَالَتْ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ وَهِيَ كَافِرَةٌ: مَا أَقْبَحَ ذَلِكَ الْفِعْلَ حَلَالًا! فَكَيْفَ بِهِ وَهُوَ حَرَامٌ0وَغَلَّظَ جَلَّ وَعَلَا عُقُوبَةَ الْمُحْصَنِ بِالرَّجْمِ تَغْلِيظًا أَشَدَّ مِنْ تَغْلِيظِ عُقُوبَةِ الْبِكْرِ بِمِائَةِ جَلْدَةٍ؛ لِأَنَّ الْمُحْصَنَ قَدْ ذَاقَ عُسَيْلَةَ النِّسَاءِ، وَمَنْ كَانَ كَذَلِكَ يَعْسُرُ عَلَيْهِ الصَّبْرُ عَنْهُنَّ، فَلَمَّا كَانَ الدَّاعِي إِلَى الزِّنَى أَعْظَمَ، كَانَ الرَّادِعُ عَنْهُ أَعْظَمَ وَهُوَ الرَّجْمُ.
وَأَمَّا جَلْدُ الزَّانِي الْبِكْرِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى مِائَةَ جَلْدَةٍ فَهَذَا مَنْصُوصٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ الْآيَةَ [24/ 2]؛لِأَنَّ هَذِهِ الْعُقُوبَةَ تَرْدَعُهُ وَأَمْثَالَهُ عَنِ الزِّنَى، وَتُطَهِّرُهُ مِنْ ذَنْبِ الزِّنَى كَمَا تَقَدَّمَ0وَسَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى تَفْصِيلُ مَا يَلْزَمُ الزُّنَاةَ مِنْ ذُكُورٍ وَإِنَاثٍ، وَعَبِيدٍ وَأَحْرَارٍ «فِي سُورَةِ النُّورِ».
وَتَشْرِيعُ الْحَكِيمِ الْخَبِيرِ جَلَّ وَعَلَا مُشْتَمِلٌ عَلَى جَمِيعِ الْحِكَمِ مِنْ دَرْءِ الْمَفَاسِدِ وَجَلْبِ الْمَصَالِحِ، وَالْجَرْيِ عَلَى مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ، وَمَحَاسِنِ الْعَادَاتِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ مِنْ أَقْوَمِ الطُّرُقِ مُعَاقَبَةُ فَظِيعِ الْجِنَايَةِ بِعَظِيمِ الْعِقَابِ جَزَاءً وِفَاقًا.
فَمَا خَيَّلَهُ أَعْدَاءُ الدِّينِ لِضِعَافِ الْعُقُولِ مِمَّنْ يَنْتَمِي إِلَى الْإِسْلَامِ: مِنْ أَنَّ التَّقَدُّمَ لَا يُمْكِنُ إِلَّا بِالِانْسِلَاخِ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ، بَاطِلٌ لَا أَسَاسَ لَهُ، وَالْقُرْآنُ الْكَرِيمُ يَدْعُو إِلَى التَّقَدُّمِ فِي جَمِيعِ الْمَيَادِينِ الَّتِي لَهَا أَهَمِّيَّةٌ فِي دُنْيَا أَوْ دِينٍ، وَلَكِنَّ ذَلِكَ التَّقَدُّمَ فِي حُدُودِ الدِّينِ، وَالتَّحَلِّي بِآدَابِهِ الْكَرِيمَةِ، وَتَعَالِيمِهِ السَّمَاوِيَّةِ؛ قَالَ تَعَالَى: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ الْآيَةَ [8/ 60]،وَقَالَ: وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلًا يَاجِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا الْآيَةَ [34/ 10،11] 0فَقَوْلُهُ: أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ يَدُلُّ عَلَى الِاسْتِعْدَادِ لِمُكَافَحَةِ الْعَدُوِّ، وَقَوْلِهِ: وَاعْمَلُوا صَالِحًا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الِاسْتِعْدَادَ لِمُكَافَحَةِ الْعَدُوِّ فِي حُدُودِ الدِّينِ الْحَنِيفِ، وَدَاوُدُ مِنْ أَنْبِيَاءِ «سُورَةِ الْأَنْعَامِ» الْمَذْكُورِينَ فِيهَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ الْآيَةَ [6/ 84]،وَقَدْ قَالَ تَعَالَى مُخَاطِبًا لِنَبِيِّنَا - صلى الله عليه وسلم - وَعَلَيْهِمْ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَهُمْ: أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ [6/ 90].