صِيَانَةُ الْعُضْوِ أَغْلَاهَا وَأَرْخَصَهَا ... حِمَايَةُ الْمَالِ فَافْهَمْ حِكْمَةَ الْبَارِي
وَشَرْحُ ذَلِكَ: أَنَّ الدِّيَةَ لَوْ كَانَتْ رُبْعَ دِينَارٍ لَكَثُرَتِ الْجِنَايَاتُ عَلَى الْأَيْدِي، وَلَوْ كَانَ نِصَابُ الْقَطْعِ خَمْسَمِائَةِ دِينَارٍ لَكَثُرَتِ الْجِنَايَاتُ عَلَى الْأَمْوَالِ، فَظَهَرَتِ الْحِكْمَةُ فِي الْجَانِبَيْنِ، وَكَانَ فِي ذَلِكَ صِيَانَةٌ مِنَ الطَّرَفَيْنِ.
وَقَدْ عَسَرَ فَهْمُ الْمَعْنَى الْمُقَدَّمِ ذِكْرُهُ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ السَّرِقَةِ وَبَيْنَ النَّهْبِ وَنَحْوِهِ عَلَى بَعْضِ مُنْكِرِي الْقِيَاسِ، فَقَالَ: الْقَطْعُ فِي السَّرِقَةِ دُونَ الْغَصْبِ وَغَيْرِهِ غَيْرُ مَعْقُولِ الْمَعْنَى؛ فَإِنَّ الْغَصْبَ أَكْثَرُ هَتْكًا لِلْحُرْمَةِ مِنَ السَّرِقَةِ، فَدَلَّ عَلَى عَدَمِ اعْتِبَارِ الْقِيَاسِ، لِأَنَّهُ إِذَا لَمْ يُعْمَلْ بِهِ فِي الْأَعْلَى فَلَا يُعْمَلُ بِهِ فِي الْمُسَاوِي0
وَجَوَابُهُ: أَنَّ الْأَدِلَّةَ عَلَى الْعَمَلِ بِالْقِيَاسِ أَشْهَرُ مِنْ أَنْ يُتَكَلَّفَ لِإِيرَادِهَا، وَسَتَأْتِي الْإِشَارَةُ إِلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْأَحْكَامِ0اه بِوَاسِطَةِ نَقْلِ ابْنِ حَجَرٍ فِي فَتْحِ الْبَارِي.
قَالَ مُقَيِّدُهُ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ: الْفَرْقُ بَيْنَ السَّرِقَةِ وَبَيْنَ الْغَصْبِ وَنَحْوِهِ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ الْمَازِرِيُّ ظَاهِرٌ، وَهُوَ أَنَّ النَّهْبَ وَالْغَصْبَ وَنَحْوَهُمَا قَلِيلٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى السَّرِقَةِ، وَلِأَنَّ الْأَمْرَ الظَّاهِرَ غَالِبًا تُوجَدُ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ السَّرِقَةِ، فَإِنَّ السَّارِقَ إِنَّمَا يَسْرِقُ خِفْيَةً بِحَيْثُ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ أَحَدٌ، فَيَعْسُرُ الْإِنْصَافُ مِنْهُ، فَغَلُظَتْ عَلَيْهِ الْجِنَايَةُ لِيَكُونَ أَبْلَغَ فِي الزَّجْرِ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.
وَمِنْ هَدْيِ الْقُرْآنِ لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ: رَجْمُ الزَّانِي الْمُحْصَنِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى، وَجَلْدُ الزَّانِي الْبِكْرِ مِائَةَ جَلْدَةٍ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى.
أَمَا الرَّجْمُ: فَهُوَ مَنْصُوصٌ بِآيَةٍ مَنْسُوخَةِ التِّلَاوَةِ بَاقِيَةُ الْحِكَمِ، وَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى: «الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ إِذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا الْبَتَّةَ نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ».
وَقَدْ قَدَّمْنَا ذَمَّ الْقُرْآنِ لِلْمُعْرِضِ عَمَّا فِي التَّوْرَاةِ مِنْ حُكْمِ الرَّجْمِ، فَدَلَّ الْقُرْآنُ فِي آيَاتٍ مُحْكَمَةٍ كَقَوْلِهِ: يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ الْآيَةَ [5/ 41]،وَقَوْلِهِ: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ الْآيَةَ [3/ 23] عَلَى ثُبُوتِ حُكْمِ الرَّجْمِ فِي شَرِيعَةِ نَبِيِّنَا - صلى الله عليه وسلم - لِذَمِّهِ فِي كِتَابِنَا لِلْمُعْرِضِ عَنْهُ كَمَا تَقَدَّمَ.