وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ الْقَطْعَ مِنَ الْكُوعِ، وَأَنَّهَا الْيُمْنَى0وَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَأَصْحَابُهُ يَقْرَءُونَ «فَاقْطَعُوا أَيْمَانَهُمَا».
وَالْجُمْهُورُ أَنَّهُ إِنْ سَرَقَ ثَانِيًا قُطِعَتْ رِجْلُهُ الْيُسْرَى، ثُمَّ إِنْ سَرَقَ فَيَدُهُ الْيُسْرَى، ثُمَّ إِنَّ سَرَقَ فَرِجْلُهُ الْيُمْنَى، ثُمَّ يُعَزَّرُ0وَقِيلَ: يُقْتَلُ، كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ عَنْ عَائِشَةَ،:قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: لاَ قَطَعَ إِلاَّ فِي رُبْعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا (?). كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ فِي الْأَحَادِيثِ.
وَلَيْسَ قَصْدُنَا هُنَا تَفْصِيلَ أَحْكَامِ السَّرِقَةِ وَشُرُوطِ الْقَطْعِ، كَالنِّصَابِ وَالْإِخْرَاجِ مِنْ حِرْزٍ، وَلَكِنَّ مُرَادَنَا أَنْ نُبَيِّنَ أَنَّ قَطْعَ يَدِ السَّارِقِ مِنْ هَدْيِ الْقُرْآنِ لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ0وَذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ الْيَدَ الْخَبِيثَةَ الْخَائِنَةَ، الَّتِي خَلَقَهَا اللَّهُ لِتَبْطِشَ وَتَكْتَسِبَ فِي كُلِّ مَا يُرْضِيهِ مِنَ امْتِثَالِ أَوَامِرِهِ وَاجْتِنَابِ نَهْيِهِ، وَالْمُشَارَكَةِ فِي بِنَاءِ الْمُجْتَمَعِ الْإِنْسَانِيِّ، فَمَدَّتْ أَصَابِعَهَا الْخَائِنَةَ إِلَى مَالِ الْغَيْرِ لِتَأْخُذَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَاسْتَعْمَلَتْ قُوَّةَ الْبَطْشِ الْمُودَعَةَ فِيهَا فِي الْخِيَانَةِ وَالْغَدْرِ، وَأَخْذِ أَمْوَالِ النَّاسِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ الْقَبِيحِ، يَدٌ نَجِسَةٌ قَذِرَةٌ، سَاعِيَةٌ فِي الْإِخْلَالِ بِنِظَامِ الْمُجْتَمَعِ، إِذْ لَا نِظَامَ لَهُ بِغَيْرِ الْمَالِ، فَعَاقَبَهَا خَالِقُهَا بِالْقَطْعِ وَالْإِزَالَةِ؛ كَالْعُضْوِ الْفَاسِدِ الَّذِي يَجُرُّ الدَّاءَ لِسَائِرِ الْبَدَنِ، فَإِنَّهُ يُزَالُ بِالْكُلِّيَّةِ إِبْقَاءً عَلَى الْبَدَنِ وَتَطْهِيرًا لَهُ مِنَ الْمَرَضِ، وَلِذَلِكَ فَإِنَّ قَطْعَ الْيَدِ يُطَهِّرُ السَّارِقَ مِنْ دَنَسِ ذَنْبِ ارْتِكَابِ مَعْصِيَةِ السَّرِقَةِ، مَعَ الرَّدْعِ الْبَالِغِ بِالْقِطَعِ عَنِ السَّرِقَةِ؛ روى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنِ الزُّهْرِىِّ قَالَ أَخْبَرَنِى أَبُو إِدْرِيسَ عَائِذُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ - رضى الله عنه - وَكَانَ شَهِدَ بَدْرًا، وَهُوَ أَحَدُ النُّقَبَاءِ لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ وَحَوْلَهُ عِصَابَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ «بَايِعُونِى عَلَى أَنْ لاَ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ شَيْئًا، وَلاَ تَسْرِقُوا، وَلاَ تَزْنُوا، وَلاَ تَقْتُلُوا أَوْلاَدَكُمْ، وَلاَ تَأْتُوا بِبُهْتَانٍ تَفْتَرُونَهُ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ، وَلاَ تَعْصُوا فِى مَعْرُوفٍ، فَمَنْ وَفَى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَعُوقِبَ فِى الدُّنْيَا فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ، وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا ثُمَّ سَتَرَهُ اللَّهُ، فَهُوَ إِلَى اللَّهِ إِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ، وَإِنْ شَاءَ عَاقَبَهُ».