إنها وقفة على معلم واضح بارز في طبيعة هذه العقيدة وفي خطها الحركي أيضا .. وقفة على مفرق الطريق تكشف معالم الطريق ..
«وَأُوحِيَ إِلى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ، فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ. وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا، وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ ... »
«حَتَّى إِذا جاءَ أَمْرُنا وَفارَ التَّنُّورُ قُلْنَا: احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ - إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ - وَمَنْ آمَنَ، وَما آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ ... »
«وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبالِ وَنادى نُوحٌ ابْنَهُ وَكانَ فِي مَعْزِلٍ -:يا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنا، وَلا تَكُنْ مَعَ الْكافِرِينَ. قالَ: سَآوِي إِلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ، قالَ: لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ، وَحالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ .. »
«وَنادى نُوحٌ رَبَّهُ، فَقالَ: رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي، وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ، وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ. قالَ: يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ، إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ، فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ، إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ. قالَ: رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْئَلَكَ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ، وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخاسِرِينَ» ..
إن الوشيجة التي يتجمع عليها الناس في هذا الدين وشيجة فريدة تتميز بها طبيعة هذا الدين، وتتعلق بآفاق وآماد وأبعاد وأهداف يختص بها ذلك المنهج الرباني الكريم.
إن هذه الوشيجة ليست وشيجة الدم والنسب وليست وشيجة الأرض والوطن، وليست وشيجة القوم والعشيرة، وليست وشيجة اللون واللغة، وليست وشيجة الجنس والعنصر، وليست وشيجة الحرفة والطبقة ..
إن هذه الوشائج جميعها قد توجد ثم تنقطع العلاقة بين الفرد والفرد كما قال اللّه سبحانه وتعالى لعبده نوح - عليه السلام - وهو يقول: «رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي» .. «يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ» ثم بين له لماذا يكون ابنه .. ليس من أهله .. «إنه عمل غير صالح» .. إن وشيجة الإيمان قد انقطعت بينكما يا نوح: «فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن