ناحية النظام والواقع .. وعاد حامل هذا الكتاب يواجه الحرج الذي كان يواجهه رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - وهو يواجه البشرية الغارقة في مستنقع الجاهلية، المستنيمة للمستنقع الآسن، الضالة في تيه الجاهلية، المسسلمة لاستهواء الشيطان في التيه! .. وهو يستهدف ابتداء إنشاء عقيدة وتصور في قلوب الناس وعقولهم تقوم على قاعدة: أشهد أن لا إله إلا اللّه. وإنشاء واقع في الأرض آخر يعبد فيه اللّه وحده، ولا يعبد معه سواه. وتحقيق ميلاد للإنسان جديد، يتحرر فيه الإنسان من عبادة العبيد، ومن عبادة هواه!

إن الإسلام ليس حادثا تاريخيا، وقع مرة، ثم مضى التاريخ وخلفه وراءه .. إنه اليوم مدعو لأداء دوره الذي أداه مرة في مثل الظروف والملابسات والأوضاع والأنظمة والتصورات والعقائد والقيم والموازين والتقاليد ... التي واجهها أول مرة.

إن الجاهلية حالة ووضع وليست فترة تاريخية زمنية .. والجاهلية اليوم ضاربة أطنابها في كل أرجاء الأرض، وفي كل شيع المعتقدات والمذاهب والأنظمة والأوضاع .. إنها تقوم ابتداء على قاعدة: «حاكمية العباد للعباد»،ورفض حاكمية اللّه المطلقة للعباد .. تقوم على أساس أن يكون «هوى الإنسان» في أية صورة من صوره هو الإله المتحكم، ورفض أن تكون «شريعة اللّه» هي القانون المحكم .. ثم تختلف أشكالها ومظاهرها، وراياتها وشاراتها، وأسماؤها وأوصافها، وشيعها ومذاهبها .. غير أنها كلها تعود إلى هذه القاعدة المميزة المحددة لطبيعتها وحقيقتها ..

وبهذا المقياس الأساسي يتضح أن وجه الأرض اليوم تغمره الجاهلية. وأن حياة البشرية اليوم تحكمها الجاهلية. وأن الإسلام اليوم متوقف عن «الوجود» مجرد الوجود! وأن الدعاة إليه اليوم يستهدفون ما كان يستهدفه محمد رسول اللّه - صلى الله عليه وسلم - تماما ويواجهون ما كان يواجهه - صلى الله عليه وسلم - تماما، وأنهم مدعوون إلى التأسي به في قول اللّه - سبحانه - له: «كِتابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ، لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ» ..

ولتوكيد هذه الحقيقة وجلائها نستطرد إلى شيء قليل من التفصيل:

إن المجتمعات البشرية اليوم - بجملتها - مجتمعات جاهلية. وهي من ثم مجتمعات «متخلفة» أو «رجعية»! بمعنى أنها «رجعت» إلى الجاهلية، بعد أن أخذ الإسلام بيدها

طور بواسطة نورين ميديا © 2015